أسرار الكون بين العلم والقرآن (18)
المدلول اللغوي لكلمة ﴿الحُبُك﴾
ولكن المسألة ليست بهذه البساطة، فنحن أمام كتاب الله تبارك وتعالى،
والقول في كتاب الله بغير علم يُهلك صاحبه ويعرِّضه لغضب الله عزّ وجلّ.
وأنه لا يجوز لي أبداً أن أحمِّل هذه الآية معنىً لا تحتمله، ولا ينبغي أن
أسوق نفسي باتجاه فهم جديد لهذه الآية أو غيرها من آيات الله تعالى،
إلا إذا أيقنتُ حقيقةً أن الله تعالى يقصد هذا المعنى تماماً.
بل إن التسرُّع في تفسير آية من آيات القرآن بالاعتماد على نظريات
علمية ربما يثبت خطؤها في المستقبل، قد يمسُّ كتاب الله تعالى، ويكون
حجَّة بيد أعداء الإسلام للنيل من هذا الدين الحنيف، بهدف التشكيك
في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم.
لذلك كان لا بد من اللجوء أولاً إلى اللغة العربية التي نزل بها القرآن،
والبحث عن معاني هذه الكلمة، وهذا ما فعلته. فبعد رحلة في عالم
المعاجم اللغوية، وجدتُ بأن هذه الكلمة قد جاءت من الفعل (حَبَكَ)
وأن العرب تقول:
"حبك النساج الثوب" أي نَسَجَه، و(حَبَكَ) الحائكُ الثوبَ أي أجاد صنعه
وشدّه وأحكمه، و﴿الحُبُك﴾ هي جمع لكلمة (حبيكة) وهي الطريق.
ونرى من خلال المعاني اللغوية لهذه الكلمة أن كلمة ﴿الحُبُك﴾ تتضمن
معاني أساسية تدور حول النسيج والخيوط المحبوكة بإحكام
والمشدود بعضها إلى بعض.
ولكن المفسرين رحمهم الله تعالى لم يدركوا أبعاد هذا المعنى لأن العصر
الذي عاشوا فيه لم تتوفر لديهم علوم الفلك الحديثة، بل إن فكرة النسيج
الكوني حديثة جداً لا يعود تاريخها إلا إلى بضع سنوات فقط!
شكل (7) صورة النسيج الكوني كما ظهر في أضخم عملية حاسوبية في
القرن العشرين. إن الخيوط التي نراها تشبه النسيج المحبوك هي في
الحقيقة بلايين المجرات التي تصطف وتتناسق بشكل محكم، وهذا ما
سماه القرآن بـ ﴿الحُبُك﴾، بل وأقسم بهذا النسيج فقال:
﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ﴾ [الذاريات: 7].
شكل (8) صورة أخرى للنسيج الكوني، وتمثل النقاط المضيئة أماكن
تجمع المجرات. وتظهر كالعُقد التي تربط الخيوط ببعضها، وكأننا أمام
خيوط نسيجية مرتبطة ومحبوكة حبكاً متناهي الدقة. وتأمل عزيزي
القارئ هذه الآية ﴿والسماء ذات الحبك﴾ ألا تعبّر تعبيراً دقيقاً
عن هذه الصورة التي كلفت ملايين الدولارات؟!
من كتاب أسرار الكون بين العلم والقرآن
للدكتور عبد الدائم الكحيل
السبت، 21 أغسطس 2021
أسرار الكون بين العلم والقرآن (18)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق