التـوكـل
التوكل على الله زاد المؤمن الروحي الذي يقوي عزيمته، ويثبت أقدامه،
ويدفع عنه التردد والحيرة والقلق، فبه يعلم أنه أوى إلى ركن شديد،
فلا يفزع من المستقبل ويرضى بما كتب الله له، ويظل ثابت القلب مطمئن
النفس لا يحزن على ما فات؛ بل يجد ويجتهد ويطلب العون من الله تعالى،
ويفوض أمره إلى الله فهو حسبه وكافيه .
فحقيقة التوكل هو : صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب
المنافع ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة، وكلة الأمور لله وتحقيق
الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه..وما من مقام
يجتمع فيه العلم والعمل من أعمال القلوب إلا التوكل فهو آكد أعمال
القلوب وأشرفها، و به تتحقق المنازل العليا في الجنة، و به يدخل
أقوام الجنة بلا حساب ولا عذاب .
وهو مقام لا يستغني عنه الإنسان فإما أن يتوكل على الله تعالى الذي بيده
تصريف الحياة وبيده النفع والضر ، وهو الذي يجير ولا يجار عليه ويقهر
ولا يُقهر ، القادر على شيء وإما أن يتوكل على مخلوق ضعيف مثله
لا يملك لنفسه فضلا عن غيره نفعا ولا ضرا ولا يملك موتا ولا حياة
ولا نشورا ، وقد كان السلف يعظمون أمر التوكل ويهتمون به ،
وقد قال سعيد بن جبير :
التوكل نصف الإيمان
. وقال الفضيل بن عياض : التوكل قوام العبادة ،
والتوكل هو : اعتماد القلب على الله تعالى وهو سبب لقوة القلب وثباته ،
كما أنه يدعوا إلى حسن الظن بالله تعالى ، ومن يتوكل على الله حق
التوكل يكفيه الله همه ويريحه مما أهمه ، كما قال تعالى :
﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ (سورة الطلاق آية 3 ) أي كافيه .
والتوكل على غير الله مذلة ومهانة، فإن الناس إذا أعطوا منّوا، وإذا
منعوا أهانوا وكل ذلك مما يحزّ في نفس المؤمن ويدخل عليه الهم والغم
ويحط من قدره ومن كرامته، كما أنه يقدح في توحيده فكيف يلجأ إلى
عبد مثله يحتاج إلى من يعينه وينصره، ويترك القوي القادر على العون
والنصرة في كل أمور الحياة، كما أن التوكل لا يعني التواكل والكسل وترك
الأسباب بل لا بد من أخذ الأسباب مع الاعتماد على الله في جلب المنافع
ودفع المضار، وقد قال ابن القيم : التوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها
العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، فإن الله حسبه أي كافيه
ومن كان الله كافيه فلا مطمع فيه لعدوه ولا يضره إلا أذى لا بد منه
كالحر والبرد والجوع، وأما أن يضره بما يبلغ منه مراده فلا يكون أبدا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق