لمن كان له قلب
مازال يلهَجُ بالرحيل وذكـــره *** حتى أنــاخ ببـابـه الجَمـــال
فأصـابه متيقضـاً متشمـــراً *** ذا أهبــهٍ لم تلهــــه الآمـال
------
لازلت أتذكر وأنا طفل صغير..
أنني أدخُلت المستشفى لمدة أسبوع من جراء برد أصابني.. وعند خروجي
سمعت الطبي يخبر والدي بأن صحتي الآن جيدة ولكن قد يكون
لهذا المرض تأثير في المستقبل.
مضت سنين طويلة..
أصبحت شاباً ثم أباً..
أحياناً أشعر بالتعب والإرهاق من أقل مجهود أبذله..
ذهبت إلى المستشفى لإجراء فحوصات كاملة..
تبين أن لدي ضعف في صمامات القلب..
وإن هذا الضعف من جراء برد أصابني في فترات سابقة أدى
إلى روماتيزم في القلب..
حاولت أن أقنع الطبيب بعلاج أو راحة.. تغني عن العملية..
ولكن أرني..
· أن حاجتك إلى العملية ستكون بعد عدة شهور..
وستتأكد من ذلك بنفسك..
وفعلاً بعد عدة شهور.
بدأ الضعف ينتابني والإرهاق يبدو عليّ..
وقررت الرضى بقضاء الله وقدره وأن أسلم أمري إلى الله..
بعد إجراء فحص شامل وما يتبعه من إجراءات..
ثم أخذ موعد لكي أحضر للمستشفى للإقامة وذلك قبل موعد
إجراء العملية بيوم..
وكان ذلك..
بدأت زيارة الأقارب في اليوم الأول..
كنت مرتاح البال مطمئن الخاطر..
جلست مدة تزيد على ساعة مع الطبي الجراح الذي سيقوم بإجراء العملية.
في الليلة التي سبقت موعد العملية.
نمت نوماً هادئاً.
لم أفكر في شيء مطلقاً..
ومع آذان الفجر استيقظت..
سمعت الأذان..
وتردد صداه في داخلي..
نز كياني..
طرقني هاجس..
تغير هدوئي..
لا أعرف ماذا جرى لي..
العملية صعبة..
ربما أن هذا آخر أيامك في هذه الحياة..
ربما هذا آخر أذان تسمعه في حياتك..
وأخذت تتجاذبني الهواجس من كل جانب..
أين كنت فيما مضى..
سؤال جعل الدمع ينهمر من عيني..
مرت حياتي الماضية كحلم..
أين أنا عن الآخرة..
ها هو الموت قد اقترب..
وحين رفعت بصري..
فإذا بالممرض يقف على رأسي..
ما بك..
لم أجبه..
ليس لدي جواب..
لكنه لاحظ اضطرابي وقلقي.. وربما أنه يتوقع ذلك
فقد كان يحمل بيده إبرة منومة..
سلمت يدي..
وأنا أعلم أنني سألم قلبي للجراح..
وقبل ذلك كله..
سيُفتح صدري..
وسيتوقف قلبي عن النبض طوال مدة العملية..
وعند الانتهاء من العملية..
سترسل شجنة كهربائية لتنشيط القلب وإعادته مرة أخرى للنبض..
وفي حالة عدم الاستجابة..
ستكرر الصدمة الكهربائية مرة ثانية..
بعدها سأحمل على الأعناق..
معرفتي بكل التفاصيل هي التي جعلتني أرى الحياة هينة ورخيصة..
كيف أنني فرطت في عمري..
غفوت بعد ذلك لحظات من أخذ الإبرة..
علمت فيما بعد..
أن الجراح عمل في قلبي لمدة ثمان ساعات متواصلة..
حمدت الله أن قلبي استجاب للصدمة الكهربائية الأولى..
· بعد خروجي من المستشفى..
كل يوم آخذ في مراجعة أيامي..
أتذكر تلك اللحظة التي انهمر الدمع فيها وأنا على سرير الموت..
كيف سأواجه الله..
وبماذا..
وكلما تذكرت تلك اللحظة..
ازددت طاعةً وقرباً من الله..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق