أصعب كسر
كما يصعُب إصلاح الزجاج المحطم، يصعب أيضًا جبر الخاطر المكسور، فإذا سقطت الثقة، وانحدرت الأماني مهيضة، واختفى بريق العين منثورًا، ذهبت أنفاس الأمل العتيقة، وذبلت ورود الفرح الجميلة، وأُغلقت أبواب التمني المتينة.
كلماتي المنبعثة لكل من هانت عليه خواطر الناس، واعتقد أن كسرَها أمرٌ يسير، أتحدث عن صعوبة إصلاح الكسر لا تغييره واستبداله، فلا تتغير الخواطر ولا تتبدل، لذلك كن حذرًا من الكلمة التي تخرج من فمك، أو التصرف الذي تسرَّعت ونفَّذته.
قد يسامحك مَن أصابته رماح الكلمة، أو وربما لا يسامحك إذا وقف الرمح في حلقه، وقد يسامحك العزيز الذي كسر تصرُّفك قلبَه، أو وربما لا يسامحك ويذهب بعيدًا؛ حتى لا يرى أحد ضَعفه، قد يعفو عنك مَن سمِع الكلمة ومضى، وربما لا يعفو عنك إذا تسبَّب تصرفك في نَبْذه، وقد يعفو عنك مَن وقفت ضدَّه، وربما يتشبَّث برأيه ولا يقبل العفو إذا رأى مقابل عفوهِ لؤمًا، فهنا أصبحتْ مشقة الإصلاح صعبة، هذا حال واقعنا وأحد نماذجه، أما مَن عفا فأجرُ عفوه على ربه، ولا أنسى مَن كان متعمدًا ومدبرًا لكلمة، أو تصرَّف تصرُّفًا غرضُه كسرُ خاطرِ مَن أمامه حقًّا، فربما يسامحه أو وربما يكون رَدُّهُ أقوى، وقد ترى هنا أو هناك مَن لا يعطي الأجير حقَّه، وبدل أن يجف عرقُه جفَّ دمعُه، وكتَم غيظَه، فربما يسامحك على فعلك، أو وربما لا يسامحك وتسمع خبرَه، وهنا سقطت الورقة، ورحلت صعوبة إصلاح الكسر، وحلَّت مكانها قساوة تأنيب الضمير الشاقة.
ألم أقل لك: لا تعتقد أنه أمرٌ يسير؟ فكم من قوي أهلكته كلمة! وكم من ضعيف أهلكته تصرُّفات مَن حوله! فاحرِص على انتقاء ألفاظك، ولا تكن كالذين سبقت ألسنتهم عقولَهم، وتذكَّر أن لسانك يترك أثرًا في قلب مَن أمامك، وراجع نفسك كثيرًا قبل أن تستلقي على وسادتك، فربما يأتي يوم وتمتلئ دمعًا وندمًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق