بسم الله الرحمن الرحيم
دخل عضد الدولة إلى بغداد، وقد هلك أهلها قتلاً وحرقاً وجوعاً للفتن التي اتصلت فيها بين الشيعة والسنة، فقال: آفة هؤلاء القصاص يغرون بعضهم
ببعض ويحرضونهم على سفك دمائهم، وأخذ أموالهم، فنادى في البلد لا يقص أحد في جامع ولا طريق، ولا يتوسل متوسل بأحد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أحب التوسل قرأ القرآن، فمن خالف فقد أباح دمه. فرفع إليه في الخبر أن أبا الحسين بن سمعون الواعظ جلس على كرسيه يوم الجمعة في جامع المنصور، وتكلم على الناس، فأمرني أن أنفذ إليه من يحصله عندي، ففعلت فدخل علي رجل له هيبة، وعلى وجهه نور، فلم أملك أن قمت إليه، وأجلسته إلى جانبي، فلم ينكر ذلك وجلس غير مكترث، وأشفقت والله أن يجري عليه مكروه على يدي، فقلت: أيها الشيخ، إن هذا الملك جلد عظيم، وما كنت أوثر مخالفة أمره، وتجاوز رسمه، والآن فأنا موصلك إليه، فعندما تقع عينك عليه، فقبل التراب وتلطف في الجواب إذا سألك، واستعن الله فعساه يخلصك منه. فقال: الخلق والأمر لله عز وجل، فمضيت به إلى حجرة في الدار قد جلس فيها الملك منفرداً خيفة أن يجري من أبي الحسين بادرة بكلام فيه غلظ، فتسير به الركبان، فلما دنوت من الحجرة وقّفته وقلت له: إياك من أن تبرح من مكانك حتى أعود إليك، وإذا سلمت فليكن بخشوع وخضوع. ودخلت لأستأذن له، فالتفت فإذا هو واقف إلى جانبي، قد حول نحو دار بختيار، واستفتح وقرأ. بسم الله الرحمن الرحيم "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد". ثم حول وجهه نحو الملك، وقال بسم الله الرحمن الرحيم "ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون" وأخذ في وعظه فأتى بالعجب فدمعت عين الملك، وما رأيت ذلك منه قط، وترك كمه على وجهه، وتراجع أبو الحسين، فخرج ومضى إلى حجرتي فقال الملك: امض إلى بيت المال، وخذ ثلاثة آلاف درهم، وإلى خزانة الكسوة وخذ منها عشرة أثواب، وادفع الجميع إليه، فإن امتنع فقل له: فرقها في فقراء أصحابك، فإن قبلها فجئني برأسه، فاشتد جزعي وخشيت أن يكون هلاكه على يدي، ففعلت وجئته بما أمر، وقلت له: مولانا يقرئك السلام، وقال لك: استعن بهذه الدراهم في نفقتك، والبس هذه الثياب، فقال لي: إن هذه الثياب التي علي مما قطعه لي أبي منذ أربعين سنة، ألبسها يوم خروجي إلى الناس، وأطويها عند انصرافي عنهم وفيها متعة وبقية ما بقيت، ونفقتي من أجرة دار خلفها أبي، فما أصنع بهذا؟ قلت: هو يأمرك بأن تصرفه في فقراء. أصحابك. فقال: ما في أصحابي فقير، وأصحابه إلى هذا أفقر من أصحابي، فليفرقه عليهم. فعدت فأخبرته، فقال: الحمد لله الذي سلمه منّا، وسلّمنا منه.
دخل عضد الدولة إلى بغداد، وقد هلك أهلها قتلاً وحرقاً وجوعاً للفتن التي اتصلت فيها بين الشيعة والسنة، فقال: آفة هؤلاء القصاص يغرون بعضهم
ببعض ويحرضونهم على سفك دمائهم، وأخذ أموالهم، فنادى في البلد لا يقص أحد في جامع ولا طريق، ولا يتوسل متوسل بأحد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أحب التوسل قرأ القرآن، فمن خالف فقد أباح دمه. فرفع إليه في الخبر أن أبا الحسين بن سمعون الواعظ جلس على كرسيه يوم الجمعة في جامع المنصور، وتكلم على الناس، فأمرني أن أنفذ إليه من يحصله عندي، ففعلت فدخل علي رجل له هيبة، وعلى وجهه نور، فلم أملك أن قمت إليه، وأجلسته إلى جانبي، فلم ينكر ذلك وجلس غير مكترث، وأشفقت والله أن يجري عليه مكروه على يدي، فقلت: أيها الشيخ، إن هذا الملك جلد عظيم، وما كنت أوثر مخالفة أمره، وتجاوز رسمه، والآن فأنا موصلك إليه، فعندما تقع عينك عليه، فقبل التراب وتلطف في الجواب إذا سألك، واستعن الله فعساه يخلصك منه. فقال: الخلق والأمر لله عز وجل، فمضيت به إلى حجرة في الدار قد جلس فيها الملك منفرداً خيفة أن يجري من أبي الحسين بادرة بكلام فيه غلظ، فتسير به الركبان، فلما دنوت من الحجرة وقّفته وقلت له: إياك من أن تبرح من مكانك حتى أعود إليك، وإذا سلمت فليكن بخشوع وخضوع. ودخلت لأستأذن له، فالتفت فإذا هو واقف إلى جانبي، قد حول نحو دار بختيار، واستفتح وقرأ. بسم الله الرحمن الرحيم "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد". ثم حول وجهه نحو الملك، وقال بسم الله الرحمن الرحيم "ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون" وأخذ في وعظه فأتى بالعجب فدمعت عين الملك، وما رأيت ذلك منه قط، وترك كمه على وجهه، وتراجع أبو الحسين، فخرج ومضى إلى حجرتي فقال الملك: امض إلى بيت المال، وخذ ثلاثة آلاف درهم، وإلى خزانة الكسوة وخذ منها عشرة أثواب، وادفع الجميع إليه، فإن امتنع فقل له: فرقها في فقراء أصحابك، فإن قبلها فجئني برأسه، فاشتد جزعي وخشيت أن يكون هلاكه على يدي، ففعلت وجئته بما أمر، وقلت له: مولانا يقرئك السلام، وقال لك: استعن بهذه الدراهم في نفقتك، والبس هذه الثياب، فقال لي: إن هذه الثياب التي علي مما قطعه لي أبي منذ أربعين سنة، ألبسها يوم خروجي إلى الناس، وأطويها عند انصرافي عنهم وفيها متعة وبقية ما بقيت، ونفقتي من أجرة دار خلفها أبي، فما أصنع بهذا؟ قلت: هو يأمرك بأن تصرفه في فقراء. أصحابك. فقال: ما في أصحابي فقير، وأصحابه إلى هذا أفقر من أصحابي، فليفرقه عليهم. فعدت فأخبرته، فقال: الحمد لله الذي سلمه منّا، وسلّمنا منه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق