1- الرِّفق بالنفس في أداء ما فرض عليه :
المسلم لا يُحَمِّل نفسه من العبادة مالا تطيقه،
فالإسلام دين يسر وسهولة،
فالمتبع له يوغل فيه برفق،
قال صلى الله عليه وسلم :
( إنَّ الدين يسر، ولن يشادَّ الدين أحد إلا
غلبه،
فسددوا وقاربوا وأبشروا،
واستعينوا بالغدوة، والروحة ، وشيء من الدُّلْجة )
وعن عائشة رضي الله عنها :
( أنَّ الحولاء بنت تُوَيْتِ بن حبيب بن أسد ابن عبد
العزَّى مرت بها،
وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فقلت:
هذه الحولاء بنت تويتٍ وزعموا أنَّها لا تنام بالليل،
فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
لا تنام بالليل، خذوا من العمل ما تطيقون،
فو الله لا يسأم الله حتى تسأموا )
قال ابن القيم:
[ نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن التشديد في
الدين بالزيادة على المشروع،
وأخبر صلى الله عليه وسلم أنَّ تشديد العبد،
على نفسه هو السبب لتشديد الله عليه إما بالقدر وإما
بالشرع.
فالتشديد بالشرع: كما يشدد على نفسه بالنذر الثقيل،
فيلزمه الوفاء به،
وبالقدر كفعل أهل الوسواس. فإنهم شدَّدوا على أنفسهم
فشدَّد عليهم القدر،
حتى استحكم ذلك، وصار صفة لازمة لهم
]
2- الرِّفق مع النَّاس عامة:
ويكون بلين الجانب وعدم الغلظة والجفاء، والتعامل مع
النَّاس بالسَّمَاحَة،
قال صلى الله عليه وسلم:
( المؤمنون هيِّنون ليِّنون، كالجمل الأنِفِ
،
إن
قِيد انقاد، وإذا أُنيخ على صخرة استناخ )
وقال
صلى الله عليه وسلم:
( إنَّ الله رفيق يحب الرِّفق في الأمر كلِّه
)
3- الرِّفق بالرعية :
الراعي، سواء كان حاكمًا، أو رئيسًا، أو مسؤولًا،
عليه أن يرفق برعيته،
فيقضي حاجتهم، ويؤدِّي مصالحهم برفق،
قال صلى الله عليه وسلم:
(
اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه،
ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به )
وقال صلى الله عليه وسلم :
( إنَّ شرَّ الرِّعاء الحُطَمة )
وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث
مثلًا لكل راع عنيف،
قاس شديد لا رحمة في قلبه على رعيته من النَّاس، سواء
أكان ولي أسرة،
أو صاحب سلطان، صغرت دائرة رعيته أو كبرت،
فشرُّ الرعاة من النَّاس على النَّاس هو الحطمة، الذي
لا رفق عنده،
ولا رحمة في قلبه تليِّن سياسته وقيادته، فهو يقسو
ويشتد على رعيته،
ويوسعهم عسفًا وتحطيمًا، ويدفعهم دائمًا إلى المآزق
والمحرجات،
ولا
يعاملهم بالرِّفق والحكمة في الإدارة والسياسة
.
قال ابن عثيمين:
[ أما ولاة الأمور فيجب عليهم الرِّفق بالرعية،
والإحسان إليهم،
واتباع
مصالحهم، وتولية من هو أهل للولاية، ودفع الشر عنهم،
وغير ذلك من مصالحهم؛ لأنَّهم مسئولون عنهم أمام الله
عز وجل ]
4- الرِّفق بالمدعوِّين:
الداعية عليه أن يرفق في دعوته، فيشفق على النَّاس
ولا يشق عليهم،
ولا ينفِّرهم من الدين بأسلوبه الغليظ والعنيف،
وأولى النَّاس بالتَّخلُّق بخلق الرِّفق الدعاة إلى
الله والمعلِّمون،
فالدعوة إلى الله لا تؤثر ما لم تقترن بخلق الرِّفق
في دعوة الخلق إلى الحق،
وتعليم النَّاس لا يُؤتي ثمراته الطيبات ما لم يقترن
بخلق الرِّفق
الذي
يملك القلوب بالمحبة
قال تعالى:
{ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ }
[ النحل: 125 ]
فيدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، ويتلطَّف مع العاصي
بكلام ليِّن وبرفق،
ولا يعين الشيطان عليه،
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
[ إذا رأيتم أخاكم قارف ذنبًا، فلا تكونوا أعوانًا
للشيطان عليه،
تقولوا: اللهم أخزه، اللهم العنه، ولكن سلوا الله
العافية،
فإنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم-
كنَّا لا نقول في أحد شيئًا حتى نعلم علام
يموت؟
فإن خُتم له بخير علمنا أن قد أصاب خيرًا، وإن خُتم
بشرٍّ خفنا عليه ]
وانظر إلى رفق إبراهيم عليه السلام مع أبيه
:
{ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا
إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ
لأَرْجُمَنَّكَ
وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ
لَكَ رَبِّي
إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا }
[ مريم: 46-47 ].
قال الشنقيطي:
[ بيَّن الله جل وعلا في هاتين الآيتين
الكريمتين
أنَّ إبراهيم لما نصح أباه النصيحة المذكورة مع ما
فيها من الرِّفق واللين،
وإيضاح الحق، والتحذير من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر،
ومن عذاب الله تعالى،
وولاية الشيطان، خاطبه هذا الخطاب العنيف وسماه
باسمه،
ولم يقل له يا بني في مقابلة قوله له يا أبت،
وأنكر عليه أنَّه راغب عن عبادة الأوثان، أي: معرض
عنها لا يريدها؛
لأنَّه لا يعبد إلا الله وحده جل وعلا، وهدَّده جلَّ
وعلا،
وهدَّده بأنَّه إن لم
ينته عما يقوله له ليرجمنه،
قيل: بالحجارة، وقيل: باللسان شتمًا، والأول أظهر، ثم
أمره بهجره مليًّا،
أي: زمانًا طويلًا، ثُمَّ بيَّن أنَّ إبراهيم قابل
أيضًا جوابه العنيف
بغاية الرِّفق واللين، في قوله
:
{
قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي...}
[مريم: 47] ]
5- الرِّفق بالخادم والمملوك :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول لله صلى الله عليه وسلم:
( للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلَّف من
العمل إلا ما يطيق )
قال الشنقيطي:
[ فأوجب على مالكيهم الرِّفق والإحسان إليهم، وأن
يطعموهم مما يطعمون،
ويكسوهم مما يلبسون، ولا يكلفوهم من العمل ما لا
يطيقون،
وإن كلفوهم أعانوهم؛ كما هو معروف في السُّنَّة
الواردة عنه
صلى الله عليه وسلم مع الإيصاء عليهم في القرآن
]
6- الرِّفق بالحيوان:
فمن الرِّفق بالحيوان، أن تدفع عنه أنواع الأذى،
كالعطش والجوع والمرض،
والحمل الثقيل،
فعن أبي هريرة رضي الله
عنه:
أنَّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( بينا رجل يمشي، فاشتدَّ عليه
العطش، فنزل بئرًا، فشرب منها،
ثُمَّ خرج فإذا هو بكلب يلهث، يأكل الثرى من العطش،
فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه، ثم
أمسكه بفيه، ثم رقي،
فسقى
الكلب، فشكر الله له، فغفر له،
قالوا:
يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرًا؟
قال: في كل كبد رطبة أجر )
وعن سعيد بن جبير قال:
[ مرَّ ابن عمر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرًا وهم
يرمونه،
وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا
ابن عمر تفرقوا،
فقال ابن عمر: من فعل
هذا؟!
لعن
الله من فعل هذا، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
لعن من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا
]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق