منذ بعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بشريعة الإسلام كان
هدفها ومقصدها واضحًا جليًا في بناء الفرد الصالح والأسرة والأمة
الصالحة، قال تعالى:
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }
[الأنبياء:107].
فالإسلام جاء رحمة بالناس بتحصيل كل ما يصلحهم، وتقليل كل ما
يفسدهم، وكل شرائعه وأحكامه تهدف إلى أن يصل الفرد والجماعة
إلى تحقيق السعادة في الحياة وبعد الممات، قال تعالى:
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى
وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً }
[النحل:97].
ولما كان الإنسان مركبًا من روح وجسد، وفيه غرائز طبيعية فطرية،
وله عقل يتميز به عن الحيوان، فقد أعطى الإسلام لكل ذي حق حقه
من مكونات الإنسان.
فكانت تعاليمه متوازنة تعطي الروح حقها من الغذاء الروحي الذي يترقى
بها في سلم الوصول إلى خالقها وفاطرها، وفي نفس الوقت لم يكبت
غرائز الجسد، واحتياجاته الفطرية، لكنه هذبها ووجهها الوجهة
الصحيحة، فأباح له النكاح والاكتساب والطيبات جميعًا، قال تعالى:
{
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ
لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ }
[الأعراف:32].
وقال في آية لها دلالة عجيبة:
{ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ... }
[البقرة:223].
وقال: ...
{ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ }
[البقرة:223].
فأباح لهم الاستمتاع بالشهوات الحلال، ثم ذكره بتقوى الله،
والاستعداد ليوم القيامة. وفي الجانب العلمي دعا الإسلام إلى التعلم
والنظر والاستدلال، قال تعالى:
{ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا }
[طـه:114]
. وقال:
{ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ... }
[سـبأ:46].
وذم الإسلام التقليد بلا دليل مهما كانت منزلة المُقَـلَّـد أباً كان،
أو سيدًا مطاعًا أو غيرهما، فقال:
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ
قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا...}
[المائدة:104].
وجملة تعاليم الإسلام في هذا الجانب تهدف إلى إيجاد العقلية العلمية لدى
المسلم، العقلية التي تؤمن بالبرهان في الحسيات، والتثبت في النقليات،
والدليل في العقليات، وهو الذي حارب الخرافات والسخافات،
وحرر العقل من الأساطير والأباطيل.
وفي الجانب الاجتماعي دعا الإسلام الفرد إلى الاجتماع ونهى عن
الافتراق، دعا إلى التكتل، ونهى عن التشتت، فهو دين الائتلاف
وليس دين الاختلاف، ففي الحديث: يد الله مع الجماعة.
ودعا الإسلام إلى إسقاط الفوارق العرقية والمالية إذا كانت هي مقاييس
التفاضل بين الناس، فهو لا يعبأ بالسلالات مجردة عن كل خير،
قال تعالى:
{ فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ }
[التوبة:55].
وقال:
{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }
[الحجرات:13].
وفي الجانب النفسي عني الإسلام بالنفس، وجعل فلاح الإنسان منوطاً
بتزكيتها، فقال:
{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا }
[الشمس:7-8].
وأرجع الإسلام صلاح الإنسان، واستقامة أحواله، وتغييرها
من حال إلى حال إلى نفسه، فقال تعالى:
{ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }
[الرعد:11].
وإذا كانت النفس بهذه الأهمية فحري بكل عاقل أن يسعى
لإصلاح نفسه وتزكيتها. والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق