عن سماك بن حرب قال:
قلت لجابر بن سمرة:
( أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ الله- صلى الله عليه
وسلم-؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيراً،
كَانَ لا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي
فِيهِ الصُّبْحَ أَوِ الغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ
الشَّمْسُ، فَإذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ
)
أخرجه
مسلم.
الجلـــــوس بعــد الســلام مـن الصـــــــلاةَ
المكتـــــوبة
مــن أعظم
الأوقـــات التي تنزل
فيها رحمــة الله عز وجل لاتستعـــجل بالقيـــــامَ
. استغفر ، سبــح الله ، واحمــده ،وهــلل
وكبـــــر
..
قال ابن بطال رحمه الله :
من كان كثير الذنــوب وأراد أن يحطها الله عنه بغير
تعب . فليغتنم ملازمة
مصــلاه بعد الصلاة
ليستكثر من دعاء الملائكة واستغفارهم له
.
المصدر
: شرح ابن بطال الجزء : الثالث رقم الصفحة :
114
التفصيل:
اختلف
الفقهاء في حكم إطالة الجلوس عقب
الصلاة
للذكر
والدعاء ، وذلك على قولين :
القول الأول : يستحب إطالة الذكر والدعاء عقب الفراغ
من الصلاة ،
للمأموم والمنفرد مطلقا ، وللإمام بعد أن يتحول عن
استقبال القبلة ،
وهذا قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية
والحنابلة .
يقول الإمام الشافعي رحمه الله
:
" أستحب أن يذكر الإمامُ اللهَ شيئا في مجلسه قدر ما
يتقدم من انصرف
من النساء قليلا كما قالت أم سلمة ، ثم يقوم ، وإن
قام قبل ذلك أو جلس
أطول من ذلك فلا شيء عليه...وأستحب للمصلي منفردا
وللمأموم أن
يطيل الذكر بعد الصلاة ، ويكثر الدعاء رجاء الإجابة
بعد المكتوبة "
انتهى من " الأم " (1/151
واستدلوا على ذلك بجميع الأحاديث الواردة في تخصيص
أذكار معينة
عقب الصلاة ، وهي أحاديث كثيرة ، جمعها أحد الباحثين
– واسمه
غالب
الحامضي - في بحث بعنوان : " الأحاديث الواردة المقيدة بأدبار
الصلوات في كتب السنة جمعا ودراسة
".
يقول الإمام النووي رحمه الله
:
" اتفق الشافعي والأصحاب وغيرهم رحمهم الله على أنه
يستحب ذكر الله
تعالى بعد السلام ، ويستحب ذلك للإمام ، والمأموم ،
والمنفرد ، والرجل ،
والمرأة ، والمسافر ، وغيره ، ويستحب أن يدعو أيضا
بعد السلام
بالاتفاق ، وجاءت في هذه المواضع أحاديث كثيرة صحيحة
في الذكر
والدعاء ، قد جمعت في كتاب الأذكار
" انتهى من " المجموع "
(3/465)
ويقول البهوتي الحنبلي رحمه الله
:
" يسن ذكر الله والدعاء والاستغفار عقب الصلاة
المكتوبة كما ورد في
الأخبار ، قال ابن نصر الله في الشرح : والظاهر أن
مرادهما أن يقول ذلك
وهو قاعد ، ولو قاله بعد قيامه وفي ذهابه فالظاهر :
أنه مصيب للسنة
أيضا ، إذ لا تحجير في ذلك
" انتهى من " كشاف القناع "
(1/365)
القول الثاني : إذا كانت صلاة الفريضة تتبعها سنة
راتبة بعدية ، فيستحب
تقصير الجلوس عقب الفراغ من الصلاة ، وتعجيل القيام
منها والانصراف
إلى صلاة النافلة في البيت ، ولا يجلس إلا مقدارا
يسيرا ، وبعد ذلك يمكنه
أن يأتي بما يشاء من الأذكار ، وهو قول فقهاء الحنفية
، قالوا يكره تأخير
صلاة السنة الراتبة عن صلاة الفريضة ، ولا يفصل
بينهما حتى بالأذكار
الشرعية ، أما الفصل للانتقال إلى البيت فهو الأفضل
.
واستدلوا على ذلك بحديث عائشة رضي الله عنها قالت
:
( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إِلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ
اللهُمَّ أَنْتَ
السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ
وَالْإِكْرَامِ )
رواه
مسلم (592)
وقول عائشة : ( بمقدار ) لا يفيد أنه كان يقول ذلك
بعينه ، بل كان يقعد
بقدر ما يسعه ونحوه من القول تقريبا ، فلا ينافي ما
في الصحيحين
من أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة
مكتوبة :
( لا
إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله
الحمد
وهو
على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت
،
ولا
معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد
)
" انتهى من " رد المحتار "
(1/531)
الخاتمة:
والراجح ما ذهب إليه جمهور أهل العلم خلافا للحنفية ،
أنه يستحب إطالة
الجلوس عقب الصلاة للإتيان بالأذكار المشروعة ، وذلك
لعشرات
الأحاديث الواردة في استحباب الأذكار (دبر الصلاة)،
والأصل في دبر
الشيء التعقيب والمباشرة ، وليس التراخي ، ومن أصرح
الأحاديث التي
تدل على استحباب الذكر عقب الصلاة المكتوبة
حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
:
(
كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّكْبِيرِ )
رواه
البخاري (842)
وأما الجواب على أدلة الحنفية فظاهر أيضا
؛
لأن
حديث عائشة رضي الله عنها :
( لَمْ
يَقْعُدْ إِلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ )
لا يعني أنه صلى الله عليه وسلم كان ينهض ويخرج من
المسجد بعد أن
يقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام . وإنما يعني
أنه كان يتحول عن
توجهه للقبلة ، ويستقبل الناس بوجهه ، فينصرف عن
قعدته تجاه القبلة
بعد أن يأتي بهذا الذكر ، ولا يلزم منه النهوض
والخروج إلى البيت كما
يقرره فقهاء الحنفية ، وقد سبق في أول جوابنا نقل
كلام البهوتي الحنبلي
رحمه الله في الاستدلال بهذا الحديث على ما ذكرناه
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق