لماذا التطهير بالماء والثلج
والبرد
لابن تيمية وابن عثيمين
أخبرنا إسحق بن إبراهيم قال: أنبأنا جرير عن هشام بن
عروة
عن أبيه عن عائشة قالت:
كان النبي صلى الله عليه وسلم
يقول:
( اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد ونق قلبي من
الخطايا
كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس
)
سئل شيخ الإسلام عن معنى دعاء النبي صلى الله عليه
وسلم
( الّلهُمَّ طَهِّرْنِى مِنْ خطاياي بِالمَاءِ
وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ )
كيف يطهر الخطايا بذلك؟ وما فائدة التخصيص
بذلك؟
وقوله فى لفظ آخر "والماء البارد" والحار أبلغ في
الإنقاء؟.
«فقال رحمه الله تعالى» الخطايا توجب للقلب
حرارة ونجاسة وضعفا،
فيرتخي القلب وتضطرم فيه نار الشهوة وتنجسه فإن
الخطايا والذنوب له
بمنزلة
الحطب الذى يمد النار ويوقدها ولهذا كلما كثرت الخطايا اشتدت
نار القلب وضعفه،..والماء يغسل الخبث ويطفئ النار،..
فإن كان باردا
أورث الجسم صلابة وقوة، فإن كان معه ثلج وبرد كان
أقوى فى التبريد
وصلابة الجسم وشدته، فكان أذهب لأثر الخطايا.هذا معنى
كلامه، وهو
محتاج إلى مزيد بيان وشرح
فاعلم أن هاهنا أربعة أمور:
أمران حسيان، وأمران
معنويان
فالنجاسة التي تزول بالماء هي ومزيلها حسيان وأثر
الخطايا التي تزول
بالتوبة والاستغفار هي ومزيلها معنويان وصلاح القلب
وحياته ونعيمه
لا يتم
إلا بهذا وهذا فذكر النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من كل
شطر قسما نبه به على القسم الآخرفتضمن كلامه الأقسام
الأربعة في
غاية الاختصار، وحسن البيان. كما في حديث الدعاء بعد
الوضوء:
( اللّهُمَّ اجعلني مِنَ التَّوَّابِينَ واجعلني مِنَ
المُتَطَهِّرِينَ )
فإنه يتضمن ذكر الأقسام
الأربعة...
ومن كمال بيانه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم،
وتحقيقه لما يخبر به،
ويأمر به تمثيله الأمر المطلوب المعنوي بالأمر
المحسوس وهذا كثير
في كلامهفنبه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم
بقوله:
( اللهُمَّ طهرني مِنْ خطاياي بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ
وَالبَرَدِ )
على شدة حاجة البدن والقلب إلى ما يطهرهـما ويبردهـما
ويقويهما
وتضمن دعاؤه سؤال هذا وهذا
« وقد أورد مسلم في صحيحه
»
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا كبر في
الصلاة ،
سكت هنية قبل أن يقرأ فقلت: يا رسول الله !
بأبي أنت وأمي !
أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة، ما تقول ؟ قال "
أقول:
اللهم ! باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق
والمغرب
اللهم ! نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من
الدنس
اللهم ! اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد )
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم
– الصفحة
أو
الرقم: 598خلاصة حكم المحدث: صحيح
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح صلاته بهذا
الدعاء
« يقول الشيخ ابن عثيمين في شرحه لهذا الحديث »
( اللَّهُمَّ باعِدْ بيني وبين
خَطَايَاي
كما
باعدت بين المشرق والمغرب )
ومعناه: أنه سأل الله أن يُباعد بينه وبين خطاياه؛
كما باعَدَ بين المشرقِ
والمغربِ والمباعدة بين المشرق والمغرب هو غاية ما
يبالغ فيه النَّاسُ
فالنَّاسُ يبالغون في الشيئين المتباعدين إمَّا بما
بين السماء والأرض،
وإما
بما بين المشرقِ والمغربِ
ومعنى
( باعِدْ بيني وبين خَطَاياي
)
أي: باعِدْ بيني وبين فِعلِها بحيث لا أَفْعَلُها،
وباعِدْ بيني وبين عقوبِتها
وقوله:
( اللَّهُمَّ نقِّني مِن خطاياي كما يُنقَّى الثوبُ
الأبيضُ مِن الدَّنس )
هذه الجملةُ تدلُّ على أنَّ المرادَ بذلك الخطايا
التي وقعت منه، لأنه قال:
( نقِّني منها كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ مِن
الدَّنس )
أي: كما يُغسل الثوبُ الأبيضُ إذا أصابه الدَّنس
فيرجع أبيض،وإنما ذَكَرَ
الأبيضَ لأن الأبيض هو أشدُّ ما يؤثِّر فيه الوسخ؛
بخلاف الأسود
ولهذا في أيام الشتاء الثياب السوداء تبقى شهراً أو
أكثر لكن الأبيض
لا
يبقى أسبوعاً إلا وقد تدنَّسَ فلهذا قال:
( كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ مِن الدَّنَسِ )
وهذا ظاهرٌ أنه في الذُّنوب التي فَعَلَهَا يُنقَّى
منها، وبعد التنقية قال
( اللَّهُمَّ اغسلْنِي مِن خطاياي بالماءِ والثَّلجِ
والبَرَدِ )
إذاً؛ فالذي يظهر: أنَّ الجملةَ الأُولى في المباعدة،
أي: أن لا أفعلَ الخطايا،
ثم إن فَعلتُها فنقِّني منها، ثم أزِلْ آثارَها
بزيادة التطهير بالماء والثَّلجِ
والبَرَدِفالماء لا شَكَّ أنه مطهِّرٌ، لكن الثَّلجُ
والبَرَدُ مناسبته هنا أنَّ الذُّنوب
آثارها العذابُ بالنَّارِ والنَّارُ حارَّة، و
الحرارةُ يناسبها في التنقية منها
الشيء البارد، فالماء فيه التنظيف، والثَّلجُ
والبَرَدُ فيهما التبريدُ.
مرجع الموضوع
كتاب / إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ..لابن القيم
الجوزية
و شرح الشيخ محمد بن صالح
العثيمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق