السؤال:
أنا وزوجتي نحب بعضنا حباً عظيماً، ونعرف ذلك في أوقات صفائنا،
لكن ما يكدر علينا حياتنا هي مشاكلنا الكثيرة التي لا حصر لها،
فلأتفه الأسباب نثور ونتلفظ على بعضنا وندعي على بعضنا كالحاقدين
حتى نصل لمرحلة لا تطاق تطلب بعدها زوجتي الطلاق، لكننا نتراجع
ونضع شروطاً ومواثيق يلتزم بها كلانا، لكن لا تلبث أن تعود المشاكل،
فنحن متزوجان منذ 7 سنين، ولدينا أولاد، والحمد لله، أرجو نصحي وتوجيهي.
الجواب:
الخلاف بين الزوجين الذي يصل أحياناً إلى حد التغاضب أمر شائع،
قلما يخلو منه بيت، حتى أكثر البيوت استقراراً، ومردّ ذلك إلى أن
جنس الاختلاف في وجهات النظر وتباين الأمزجة لصيق بجنس
الإنسان، فإذا صاحبه شيء من الحدة وتعكر المزاج تحول إلى
غضب وشقاق.
فالمقصود أن جنس الخلاف وربما المغاضبة ليست مشكلة في حد ذاتها،
لكن المشكلة تتجلى في صورتين كبيرتين، تندرج ضمنهما عشرات
الأمثلة الصغيرة:
(1)
أن تتكرر المغاضبة حتى تغلب على حياة الزوجين، فيتسلل إليها
برود العاطفة ثم يسود الجفاء بينهما، حتى يتكدر العيش.
(2)
أن تصل المغاضبة بهما إلى حد مكروه من السباب والإهانة التي
يترفع المسلم عنها أو القطيعة والظلم، والدعاء بالإثم الذي قد
يوافق الإجابة.
والحقيقة أننا لا نستطيع أن نفصل بين الخلاف وعموم سير الحياة
الزوجية، بل الحياة الاجتماعية بشكل عام، وعليه فإن أية مشكلة
(الخلاف الزوجي أو غيره من مسائل العبادات أو المعاملات)
التي يجدر بنا أن نسعى لحلها، ينبغي ألا نقتصر على الحل إذا ما
وجدناه؛ لأن غالب الحلول أشبه ما تكون بالترميم أو الترقيع، وفي
كثير من الأحوال تحل المشكلة وتبقى جذورها وأسبابها.
وعليه، فالشجار بين الزوجين -إذا كثر- فإنه يشعر بأن المشكلة
في تركيبة شخصية الزوجين أو أحدهما، فإذا كان أحدهما سريع الانفعال،
أو متقلب المزاج أو يتعرض لضغوط نفسية فرضتها طبيعة عمله
أو علاقاته الاجتماعية، أو قلق يتعلق بالمال،
فالأولوية لعلاج الطبيعة غير السوية وتعويدها السلوك الصحيح،
فإن أي تحسن يطرأ على جانب من جوانب الشخصية ينعكس بصورة
ما، على حاله وسلوكه بشكل عام، وهذا واحد من المجاهدات التي
نرجو أن يثيب الله عليها، والذي يمكن قوله في حدود ما كشف
السؤال عنه، إن على الزوجين أن يتعاونا على منع أسباب الخلاف أصلاً،
وبخاصة إذا غلب على ظنهما أنه من الصعب أن يضبطا
انفعالهما حينئذ، وذلك من خلال مراعاة جملة أمور،
منها:
(1)
أن تقدر الأمور بقدرها، فإن مما يؤتى المغاضب من قبله هو عدم تقديره
للأمور ووضعها في نصابها، وكثيراً ما تضخم أمور استجابة لتكدر
المزاج غالبا وزنها الحقيقي دون ذلك بكثير، فكلمة خرجت لم تضبط
أو أريد بها المزاح، أو عمل لم يتم على الوجه المطلوب أو في الوقت المحدد،
أو رأي لم يرق للآخر، كل ذلك إذا وافق نفسية مستاءة
أو مزاجاً متعكراً يصبح قنبلة ضحيتها الزوجان على الأقل.
(2)
أن يغلب المسلم على حاله الأريحية وانشراح الصدر، ويقلل من تجهم
الوجه، ويكثر من التبسم، فإن التبسم زيادة على ما فيه من الأجر،
أظهرت التجارب أنه سبب لإنتاج (هرمونات) تسهم في الاستقرار
النفسي والإحساس بالسعادة.
(3)
أن يعتني الزوجان بالثقافة الأسرية، ويطالعا ما يكتب في هذا الشأن،
رغبة في توظيفه في حياتهما، وفي الساحة مجلات محافظة ذات عناية
بهذه الموضوعات، فضلاً عن الكتب والأشرطة، وكم سيكون لطيفاً
إذا أعان زوج زوجته على هذه الثقافة وأعانت زوجة زوجها على ذلك.
(4)
الإفادة من أوقات الاستقرار والصفاء في تعميق العلاقة الزوجية،
وكسر الرتابة التي قد توفر فرص الخلاف، وعادة الناس ليست واحدة
في التعبير عن مشاعر المودة بين الزوجين، ولكن على كل زوج أن
يتحسس ما يحبه زوجه مما أباحه الله، فيباشره ويحتسب الأج
ر في ذلك عند الله.
وإذا ما حدث الخلاف فليكن خلافاً ناجحاً! أعني أن يستوفي آداباً
يرقى به الزوجان إلى مصاف العقلاء،
ومن ذلك:
(1)
يتعين على الزوجين أو أحدهما أن يمسكا عن تأجيج الخصام الذي
اتقدت شرارته، فيبدأ بالاستعاذة بالله من الشيطان، فإن الغضب مطيته
لتحقيق أسوأ مراميه وهو التفريق بين الزوجين، وعليهما أن ينصرفا
إلى ما يهمهما فيتوقف عن الجدال، وبخاصة ذلك النوع الذي لا يعدو
أن يكون ترامياً بالمسؤوليات وتراشقاً بالتهم.
(2)
ألا يجر الخلاف إلى استدعاء خلافات سابقة عفا عليها الزمن، فيزج
بها في حلبة صراع اليوم، وكأن الموقف تصفية حسابات، بل يقدر
كل خلاف بحسبه، والقصد من النقاش أو حتى (التلاوم)
هو الوصول لحل، لا أن تقام الحجج والبينات على صحة دعوى ما.
(3)
أن يحترز الزوجان أن يجري على ألسنتهما سبة لا تليق، أو ما
من شأنه تحقير الآخر وتسفيهه، أو التهكم بشيء لا يد لهما فيه،
كبلد أحدهما أو أسرته أو والديه، فإن هذا غالباً يحدث في النفس
جرحاً عميقاً قد لا يمحى بسهولة، أو يدعو بدعوة تصادف إجابة.
(4)
على الزوجين ألا يكونا صريحين في إبداء مشاعرهما السلبية تجاه
الطرف الآخر، مهما كانا صادقين، فإن الصدق لا يعني التعبير عن
مشاعر قد تهدم البناء الزوجي، وإذا كان هذا ليس خاصاً
بحالة الشجار، فإنه يتأكد عندها.
(5)
ليستحضر الزوجان أن الله لم يذم إنسان لغضبه ولم يمدحه لعدم غضبه،
ولكنه أثنى على من إذا غضب كظم، وأعلى من شأن الذين إذا غضبوا
هم يغفرون، وهنا تتجلى قوة النفس في ضبط الانفعال، لا في جزالة
ألفاظ الشجار، ولا في قوة الصراخ، وما أعظم أجراً ادخره الله
للكاظمين الغيظ.
(6)
ألا يفرح الزوجان ولا أحدهما بالخلاف، حال وقوعه، ويستجيبا
لانفعالات أنفسهما فيزيدا في اتقاد الشجار، ويتخذا قرارات
خطيرة من جرائه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق