)مثل المنافق كمثل الشاة العائرة
بين الغنمين(
عن ابن عُمَرَ عَن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
(مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ؛ تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً
وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً.
وفي رواية: تَكِرُّ فِي هَذِهِ مَرَّةً وَفِي هَذِهِ مَرَّةً)
(1).
شرح المفردات(2):
( الْعَائِرَة ): الْمُتَرَدِّدَة الْحَائِرَة لَا تَدْرِي لِأَيِّهِمَا تَتْبَع.
( تُعِير): تُرَدّد وَتَذْهَب.
( تَكِرّ فِي هَذِهِ مَرَّة وَفِي هَذِهِ مَرَّة ) أَيْ: تَعْطِف عَلَى هَذِهِ وَعَلَى هَذِهِ.
شرح الحديث :
في الحديث بيان حال المنافق، بأنه ليس له ثبات على الإيمان،
بل هو مع المؤمنين في ظاهره ومع الكافرين بباطنه، وأيضاً فهو
دائماً حريص على المنافع الدنيوية، فإذا كان هناك نفع من
المؤمنين قال: أنا منكم. وإن رأى منفعة عند غيرهم، قال: أنا معكم.
كما قال تعالى:
{ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ
وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم
مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۚ }
الآية، [سورة النساء: 141].
وكما بين حالهم في آية أخرى:
{ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ
فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا }
[سورة النساء: 143].
وجه الشبه(3):
في الحديث تمثيل حال المنافق في عدم ثباته على الحق،
بحال الشاة العائرة بين الغنمين.
قال الطيبي: شَبَّه ترد المنافق بين المؤمنين والكافرين تبعاً
لهواه وقصداً لأغراضه الفاسدة كتردد الشاة الطالبة للفحل، فلا تستقر
على حال، ولذلك وصفوا في التنزيل
{ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ }
[سورة النساء: 143].
من فوائد الحديث :
1- ذمّ النفاق والمنافقين وبيان خبثهم وفساد طويتهم وسوء عملهم،
قال ابن القيم –رحمه الله-:
) قد هتك الله –سبحانه- أستار المنافقين، وكشف أسرارهم في القرآن،
وجلَّى لعباده أمورهم؛ ليكونوا منها ومن أهلها على حذر،
وذكر طوائفَ العالم الثلاثة في أوّل سورة البقرة:
المؤمنين والكفار والمنافقين،
فذكر في المؤمنين أربع آيات، وفي الكفار آيتين، وفي المنافقين ثلاث
عشرة آية؛ لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم، وشدّة فتنتهم على الإسلام
وأهله، فإنّ بلية الإسلام بهم شديدة جدًا؛ لأنهم منسوبون إليه
وإلى نصرته وموالاته وهم أعداؤه في الحقيقة، يخرجون عداوته
في كلّ قالب يظنّ الجاهل أنه عِلْمٌ وإصلاحٌ، وهو غاية الجهل والإفساد.
فلِلّه كم من معقَل للإسلام قد هدموه، وكم من حِصنٍ له قد قلعوا
أساسه وخرّبوه، وكم من عَلَم له قد طمسوه، وكم من لواءٍ له
مرفوعٍ قد وضعوه، وكم ضربوا بمعاول الشُّبه في أصول
غراسه ليقلعوها، وكم عَمُّوا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها
ويقطعوها، فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبليّة،
ولا يزال يطرقه من شبههم سَرِيَّةٌ بعد سريّة، ويزعمون أنهم
بذلك مصلحون
{أَلا إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ}
[البقرة:12]،
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكافرون}
[الصف:8]
(4).
2- على المسلم أن يعتصم بالله تعالى، ويستقم على شرعه، ويعمل
بطاعته مع المؤمنين، وأن يثبت على ذلك، حتى يسلم من النفاق
وأخلاق المنافقين.
المراجع :
(1) - صحيح مسلم، برقم: (2784).
(2) - شرح صحيح مسلم للنووي، 17/ 128.
(3) - فيض القدير 5/ 515.
(4) - مدارج السالكين (1/377).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق