مثل من يأخذ مالاً بغير حقه
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من يأخذ مالاً بحقه يبارك له فيه، ومن يأخذ مالاً بغير حقه فمثله
كمثل الذي يأكل ولا يشبع)
(1).
والحديث بتمامه عن عياض بن عبدالله بن سعد أنه سمع أبا سعيد
الخدري يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فقال:
( لا والله ما أخشى عليكم أيها الناس إلا ما يخرج الله لكم من
زهرة الدنيا، فقال رجل يا رسول الله: أيأتي الخير بالشر ؟
فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم قال: كيف قلت ؟
قال قلت يا رسول الله: أيأتي الخير بالشر ؟ فقال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم: إن الخير لا يأتي إلا بخير، أو خير هو؟
إن كل ما ينبت الربيع يقتل حبطاً أو يلم إلا آكلة الخضر أكلت حتى
إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت الشمس ثلطت أو بالت ثم اجترت
فعادت فأكلت فمن يأخذ مالاً بحقه يبارك له فيه ومن يأخذ مالاً
بغير حقه فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع ).
شرح المفردات(2):
- ( حبطا ) أي تخمة وهي امتلاء البطن وانتفاخه من الإفراط في الأكل
- ( و يلم ) أي يقارب الإهلاك.
- ( إلا آكلة الخضر ) أي إلا الماشية التي تأكل الخضر وهي البقول التي
ترعاها المواشي بعد هيج البقول ويبسها، قال في النهاية الخضر
نوع من بقول ليس من أحرارها وجيدها.
- ( امتلأت خاصرتاها ) أي امتلأت شبعا وعظم جنباها.
- ( استقبلت الشمس ) أي بركت وقعدت مستقبلة عين الشمس.
- ( ثلطت ) ثلط البعير يثلط إذا ألقي رجيعا سهلا رقيقا.
- ( اجترت ) أي أخرجت الجرة وهي ما تخرجه الماشية من
كرشها لتمضغه ثم تبلعه تستمرئ بذلك ما أكلت.
شرح الحديث(3):
قال النووي –رحمه الله- قوله صلى الله عليه وسلم
( ما أخشى عليكم أيها الناس إلا ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا،
فقال رجل: يا رسول الله أيأتي الخير بالشر، فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم: إن الخير لا يأتي إلا بخير، أو خير هو) ؟
معناه أنه صلى الله عليه وسلم حذرهم من زهرة الدنيا وخاف
عليهم منها، فقال هذا الرجل إنما يحصل ذلك لنا من جهة مباحة
كغنيمة وغيرها وذلك خير وهل يأتي الخير بالشر، وهو استفهام
إنكار واستبعاد أي يبعد أن يكون الشيء خيرا ثم يترتب عليه شر،
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أما الخير الحقيقي فلا يأتي
إلا بخير أي لا يترتب عليه إلا خير، ثم قال أو خير، هو معناه أن
هذا الذي يحصل لكم من زهرة الدنيا ليس بخير وإنما هو فتنة
وتقديره الخير لا يأتي إلا بخير ولكن ليست هذه الزهرة بخير لما
تؤدى إليه من الفتنة والمنافسة والاشتغال بها عن كمال الإقبال
على الآخرة.
ثم ضرب لذلك مثلا فقال صلى الله عليه وسلم: إن كل ما ينبت
الربيع يقتل حبطا أو يلم إلا آكلة الخضر إلى آخره، ومعناه أن
نبات الربيع وخضره يقتل حبطا بالتخمة لكثرة الأكل أو يقارب
القتل إلا إذا
اقتصر منه على اليسير الذي تدعو إليه الحاجة وتحصل به الكفاية
المقتصدة فانه لا يضر، وهكذا المال هو كنبات الربيع مستحسن
تطلبه النفوس وتميل إليه فمنهم من يستكثر منه ويستغرق فيه
غير صارف له في وجوهه فهذا يهلكه أو يقارب أهلاكه، ومنهم
من يقتصد فيه فلا يأخذ إلا يسيراً وان أخذ كثيرا فرقه في وجوهه
كما تثلطه الدابة فهذا لا يضره هذا مختصر معنى الحديث.
وقال القاضي عياض ضرب صلى الله عليه وسلم لهم مثلا بحالتي المقتصد
والمكثر فقال صلى الله عليه وسلم: أنتم تقولون إن نبات
الربيع خير وبه قوام الحيوان، وليس هو كذلك مطلقاً بل منه ما
يقتل أو يقارب القتل فحالة المبطون المتخوم كحالة من يجمع
المال ولا يصرفه في وجوهه فأشار صلى الله عليه وسلم إلى أن
الاعتدال والتوسط في الجمع أحسن ثم ضرب مثلا لمن ينفعه
إكثاره وهو التشبيه بآكلة الخضر وهذا التشبيه لمن صرفه في وجوهه
الشرعية ووجه الشبه أن هذه الدابة تأكل من الخضر حتى تمتلئ
خاصرتها ثم تثلط وهكذا من يجمعه ثم يصرفه والله أعلم.
قال الطيبي يؤخذ منه أربعة أصناف فمن أكل منه أكل مستلذ مفرط
منهمك حتى تنتفخ أضلاعه ولا يقلع فيسرع إليه الهلاك، ومن أكل
كذلك لكنه أخذ في الاحتيال لدفع الداء بعد أن استحكم فغلبه فأهلكه،
ومن أكل كذلك لكنه بادر إلى إزالة ما يضره وتحيل في دفعه حتى
انهضم فيسلم، ومن أكل غير مفرط ولا منهمك وإنما اقتصر على
ما يسد جوعته ويمسك رمقه، فالأول مثال الكافر والثاني مثال العاصي
الغافل عن الإقلاع والتوبة إلا عند فوتها والثالث مثال للمخلط المبادر
للتوبة حيث تكون مقبولة والرابع مثال الزاهد في الدنيا الراغب
في الآخرة
(4).
من فوائد الحديث(5):
11- قوله إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم مثل للمفرط الذي
يأخذ الدنيا بغير حقها وذلك أن الربيع ينبت أحرار البقول فتستكثر
الماشية منه لاستطابتها إياه حتى تنتفخ بطونها عند مجاوزتها حد
الإحتمال فتنشق أمعاؤها من ذلك فتهلك أو تقارب الهلاك وكذلك
الذي يجمع الدنيا من غير حلها ويمنعها مستحقها قد تعرض للهلاك
في الآخرة بدخول النار وفي الدنيا بأذى الناس له وحسدهم إياه
وغير ذلك من أنواع الأذى.
2- أن المال مستحسن تطلبه النفوس وتميل إليه، والواجب ضبط
النفس وحملها على سنن الشرع فلا يأخذ المال إلا من حله ولا ينفقه
إلا في محله ففي ذلك السلامة والنجاة.
3- قال الزين بن المنير في هذا الحديث وجوه من التشبيهات
بديعة:
أولهـا:
تشبيه المال ونموه بالنبات وظهوره.
ثانيها:
تشبيه المنهمك في الاكتساب والأسباب بالبهائم المنهمكة في الأعشاب.
وثالثها:
تشبيه الاستكثار منه والادخار له بالشره في الأكل والامتلاء منه.
ورابعها:
تشبيه الخارج من المال مع عظمته في النفوس حتى أدى إلى المبالغة
في البخل به بما تطرحه البهيمة من السلح ففيه إشارة بديعة إلى
استقذاره شرعا .
وخامسها:
تشبيه المتقاعد عن جمعه وضمه بالشاة إذا استراحت وحطت
جانبها مستقبلة عين الشمس فإنها من أحسن حالاتها سكونا
وسكينة وفيه إشارة إلى إدراكها لمصالحها .
وسادسها:
تشبيه موت الجامع المانع بموت البهيمة الغافلة عن دفع ما يضرها .
وسابعها:
تشبيه المال بالصاحب الذي لا يؤمن أن ينقلب عدوا فإن المال من
شأنه أن يحرز ويشد وثاقه حبا له وذلك يقتضي منعه من مستحقه
فيكون سببا لعقاب مقتنيه.
وثامنها:
تشبيه آخذه بغير حق بالذي يأكل ولا يشبع
(6).
4- أن التمادي في جمع المال دون نظر فيما يحل ويحرم دليل
على الجهل وضعف البصيرة، قال ابن القيم:
(ما أخذ العبد ما حرم عليه إلا من جهتين: إحداهما سوء ظنه بربه،
وأنه لو أطاعه وآثره لم يعطه خيراً منه حلالاً، والثانية أن يكون
عالماً بذلك وأن من ترك لله شيئاً أعاضه خيراً منه، ولكن تغلب
شهوته صبره وهواه عقله، فالأول من ضعف علمه والثاني
من ضعف عقله وبصيرته)
(7).
المراجع :
(1) - صحيح مسلم، ح: (1052).
(2) - شرح النووي على مسلم [جزء 7 - صفحة 142].
(3) - شرح النووي على مسلم [جزء 7 - صفحة 142].
(4) - ابن حجر ، فتح الباري 11/ 248.
(5) - انظر فتح الباري [8/124].
(6) - ابن حجر ، فتح الباري 11/ 248.
(7) - كتاب الفوائد ص26.
- ( إلا آكلة الخضر ) أي إلا الماشية التي تأكل الخضر وهي البقول التي
ترعاها المواشي بعد هيج البقول ويبسها، قال في النهاية الخضر
نوع من بقول ليس من أحرارها وجيدها.
- ( امتلأت خاصرتاها ) أي امتلأت شبعا وعظم جنباها.
- ( استقبلت الشمس ) أي بركت وقعدت مستقبلة عين الشمس.
- ( ثلطت ) ثلط البعير يثلط إذا ألقي رجيعا سهلا رقيقا.
- ( اجترت ) أي أخرجت الجرة وهي ما تخرجه الماشية من
كرشها لتمضغه ثم تبلعه تستمرئ بذلك ما أكلت.
شرح الحديث(3):
قال النووي –رحمه الله- قوله صلى الله عليه وسلم
( ما أخشى عليكم أيها الناس إلا ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا،
فقال رجل: يا رسول الله أيأتي الخير بالشر، فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم: إن الخير لا يأتي إلا بخير، أو خير هو) ؟
معناه أنه صلى الله عليه وسلم حذرهم من زهرة الدنيا وخاف
عليهم منها، فقال هذا الرجل إنما يحصل ذلك لنا من جهة مباحة
كغنيمة وغيرها وذلك خير وهل يأتي الخير بالشر، وهو استفهام
إنكار واستبعاد أي يبعد أن يكون الشيء خيرا ثم يترتب عليه شر،
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أما الخير الحقيقي فلا يأتي
إلا بخير أي لا يترتب عليه إلا خير، ثم قال أو خير، هو معناه أن
هذا الذي يحصل لكم من زهرة الدنيا ليس بخير وإنما هو فتنة
وتقديره الخير لا يأتي إلا بخير ولكن ليست هذه الزهرة بخير لما
تؤدى إليه من الفتنة والمنافسة والاشتغال بها عن كمال الإقبال
على الآخرة.
ثم ضرب لذلك مثلا فقال صلى الله عليه وسلم: إن كل ما ينبت
الربيع يقتل حبطا أو يلم إلا آكلة الخضر إلى آخره، ومعناه أن
نبات الربيع وخضره يقتل حبطا بالتخمة لكثرة الأكل أو يقارب
القتل إلا إذا
اقتصر منه على اليسير الذي تدعو إليه الحاجة وتحصل به الكفاية
المقتصدة فانه لا يضر، وهكذا المال هو كنبات الربيع مستحسن
تطلبه النفوس وتميل إليه فمنهم من يستكثر منه ويستغرق فيه
غير صارف له في وجوهه فهذا يهلكه أو يقارب أهلاكه، ومنهم
من يقتصد فيه فلا يأخذ إلا يسيراً وان أخذ كثيرا فرقه في وجوهه
كما تثلطه الدابة فهذا لا يضره هذا مختصر معنى الحديث.
وقال القاضي عياض ضرب صلى الله عليه وسلم لهم مثلا بحالتي المقتصد
والمكثر فقال صلى الله عليه وسلم: أنتم تقولون إن نبات
الربيع خير وبه قوام الحيوان، وليس هو كذلك مطلقاً بل منه ما
يقتل أو يقارب القتل فحالة المبطون المتخوم كحالة من يجمع
المال ولا يصرفه في وجوهه فأشار صلى الله عليه وسلم إلى أن
الاعتدال والتوسط في الجمع أحسن ثم ضرب مثلا لمن ينفعه
إكثاره وهو التشبيه بآكلة الخضر وهذا التشبيه لمن صرفه في وجوهه
الشرعية ووجه الشبه أن هذه الدابة تأكل من الخضر حتى تمتلئ
خاصرتها ثم تثلط وهكذا من يجمعه ثم يصرفه والله أعلم.
قال الطيبي يؤخذ منه أربعة أصناف فمن أكل منه أكل مستلذ مفرط
منهمك حتى تنتفخ أضلاعه ولا يقلع فيسرع إليه الهلاك، ومن أكل
كذلك لكنه أخذ في الاحتيال لدفع الداء بعد أن استحكم فغلبه فأهلكه،
ومن أكل كذلك لكنه بادر إلى إزالة ما يضره وتحيل في دفعه حتى
انهضم فيسلم، ومن أكل غير مفرط ولا منهمك وإنما اقتصر على
ما يسد جوعته ويمسك رمقه، فالأول مثال الكافر والثاني مثال العاصي
الغافل عن الإقلاع والتوبة إلا عند فوتها والثالث مثال للمخلط المبادر
للتوبة حيث تكون مقبولة والرابع مثال الزاهد في الدنيا الراغب
في الآخرة
(4).
من فوائد الحديث(5):
11- قوله إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم مثل للمفرط الذي
يأخذ الدنيا بغير حقها وذلك أن الربيع ينبت أحرار البقول فتستكثر
الماشية منه لاستطابتها إياه حتى تنتفخ بطونها عند مجاوزتها حد
الإحتمال فتنشق أمعاؤها من ذلك فتهلك أو تقارب الهلاك وكذلك
الذي يجمع الدنيا من غير حلها ويمنعها مستحقها قد تعرض للهلاك
في الآخرة بدخول النار وفي الدنيا بأذى الناس له وحسدهم إياه
وغير ذلك من أنواع الأذى.
2- أن المال مستحسن تطلبه النفوس وتميل إليه، والواجب ضبط
النفس وحملها على سنن الشرع فلا يأخذ المال إلا من حله ولا ينفقه
إلا في محله ففي ذلك السلامة والنجاة.
3- قال الزين بن المنير في هذا الحديث وجوه من التشبيهات
بديعة:
أولهـا:
تشبيه المال ونموه بالنبات وظهوره.
ثانيها:
تشبيه المنهمك في الاكتساب والأسباب بالبهائم المنهمكة في الأعشاب.
وثالثها:
تشبيه الاستكثار منه والادخار له بالشره في الأكل والامتلاء منه.
ورابعها:
تشبيه الخارج من المال مع عظمته في النفوس حتى أدى إلى المبالغة
في البخل به بما تطرحه البهيمة من السلح ففيه إشارة بديعة إلى
استقذاره شرعا .
وخامسها:
تشبيه المتقاعد عن جمعه وضمه بالشاة إذا استراحت وحطت
جانبها مستقبلة عين الشمس فإنها من أحسن حالاتها سكونا
وسكينة وفيه إشارة إلى إدراكها لمصالحها .
وسادسها:
تشبيه موت الجامع المانع بموت البهيمة الغافلة عن دفع ما يضرها .
وسابعها:
تشبيه المال بالصاحب الذي لا يؤمن أن ينقلب عدوا فإن المال من
شأنه أن يحرز ويشد وثاقه حبا له وذلك يقتضي منعه من مستحقه
فيكون سببا لعقاب مقتنيه.
وثامنها:
تشبيه آخذه بغير حق بالذي يأكل ولا يشبع
(6).
4- أن التمادي في جمع المال دون نظر فيما يحل ويحرم دليل
على الجهل وضعف البصيرة، قال ابن القيم:
(ما أخذ العبد ما حرم عليه إلا من جهتين: إحداهما سوء ظنه بربه،
وأنه لو أطاعه وآثره لم يعطه خيراً منه حلالاً، والثانية أن يكون
عالماً بذلك وأن من ترك لله شيئاً أعاضه خيراً منه، ولكن تغلب
شهوته صبره وهواه عقله، فالأول من ضعف علمه والثاني
من ضعف عقله وبصيرته)
(7).
المراجع :
(1) - صحيح مسلم، ح: (1052).
(2) - شرح النووي على مسلم [جزء 7 - صفحة 142].
(3) - شرح النووي على مسلم [جزء 7 - صفحة 142].
(4) - ابن حجر ، فتح الباري 11/ 248.
(5) - انظر فتح الباري [8/124].
(6) - ابن حجر ، فتح الباري 11/ 248.
(7) - كتاب الفوائد ص26.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق