السؤال
♦ الملخص:
شاب يعاني من اكتئابٍ شديد، ويُفضِّل العُزلة، ولا يحب الاختلاط بالناس،
ولا يستطيع تكوين علاقات اجتماعية.
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ في العشرينيَّات مِن عمري، أُعاني مِن حالة اكتئابٍ شديد؛
فأشعُر دائمًا بثِقَلٍ في صدري، وكأن غمامة سوداء تلفني، ثم فجأة
أشعُر ببريقٍ مِن الفرَح في صدري يأتي لحظة وسَرعان ما يَختفي!
لا أستمتع بأيِّ شيء، وأُفضِّل العُزلة على الرغم مِن أني متكلِّم ولي حُضور.
غالبًا أشعر بالحزن، ويظهر ذلك واضحًا لكل مَن حولي، ومن ثَم لا أستطيع
تكوين علاقات اجتماعية، وأصدقائي لا يتجاوز عددُهم أصابعَ اليد الواحدة،
وعلاقتي ببعضهم ليستْ قوية.
إذا رأيتُ صورة قديمة لي أبكي، ولا أدري لِمَ أبكي؟! فكأن جيشًا من
الأفكار يَقتحم رأسي، فيُفقدني التركيزَ، ويَجعلني كثيرَ النِّسيان، فلا أكاد
أحفَظ شيئًا، حتى الأمور التي لا تُنسى نسيتُها، وهذا الأمر يُؤرقني
جدًّا في دراستي وعملي.
كثيرًا ما أفكِّر في مواقفَ وأتخيَّلُها وأتفاعل معها، مع أنها ليس لها
وجودٌ في الحقيقة.
أسمع أشخاصًا أعرِفهم يتكلمون معي وأرد عليهم، وكنتُ أظن أنني
أتكلَّم داخليًّا، ثم اكتشفتُ بعد وقتٍ أنني أتكلَّم فعلًا وأردُّ بصوت مرتفع،
وأتفاعل كليَّةً، وأغضب وأفرَح، وكأني في الموقف فعلًا، على الرغم
من أني أكون جالسًا وحدي، ودائمًا أشعُر بالجُبن والانتِقاص للذات،
مع أني أَملِك أشياءَ تُميِّزني عن أقراني.
لديَّ صديق أُفكِّر فيه طوال اليوم، ووصل تفكيري فيه إلى درجة
لا تُتَوقَّع، ويُصيبني الحزن والكآبة إذا ابتعد عني أو غاب، ولا أعلم
لماذا أتصرَّف هكذا؟ أشعر بشهوة تجاه الرجال أكثر مِن النساء منذ أن بلغتُ،
وأنا لستُ مثليًّا، لكني حزينٌ على نفسي، فلا أعلَم لماذا أنا هكذا!
سئِمتُ مِن حالتي التي تنأَى بي عن كلِّ ما أُحب، ولا أدري لماذا؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الابن الكريم، حفِظك الله من كلِّ سوء، نرحِّب بك في شبكة الألوكة،
ونسأل الله العلي القدير أن نكون باب نفعٍ وشفاءٍ لما في صدرك مِن
ضيق، ونحمَد الله إليك ونُثني على ابتعادك عما حرَّم الله، وفي ذلك
شاهدٌ على التقوى وصلاح السريرة.
المشكلة التي تعاني منها:
الاكتئاب الذهاني Psychotic depression :
الذي يتميَّز عن سائر أنواع الاكتئاب بالهلوسات وبعض الخيالات الذهانية.
وصف وتحليل الحالة النفسية العامة:
من الطبيعي أن يؤثر الاكتئابُ الحادُّ على أساليب وأنماط التفكير بصورة عامة،
وتظهر حالة الاكتئاب على شكل انفعالات عاطفية واضطراب نفسي،
وقصورٍ في الاتزان الانفعالي، إضافة إلى الفراغ العاطفي، نتيجة نقص
العلاقات الاجتماعية، والكف عن التواصل مع الجماعات الإنسانية؛
حيث إنَّ التواصل الاجتماعي الفاعل السوي يُعدُّ من الأسس الرئيسة في
بناء وتشكيل النمط السويِّ للشخصية، وصَقْلِ الصحة النفسية العامة.
ويُعدُّ الميلُ العاطفيُّ والجنسيُّ نحو جنس الذكور نوعًا من أنواع
الاضطرابات الانفعالية المرتبطة بالفراغ العاطفي، ونقص العلاقات الاجتماعية،
وضَعف القدرة على الانسجام مع الآخرين؛ إذ أصبحتَ
شديد التعلُّق بالصديق المقرَّب إليك الذي اعتبرتَه الْمَعْبَر الوحيد للتعبير
من خلاله عن سائر الانفعالات العاطفية المكبوتة،
بما فيها الانفعال العاطفي والشهوة الجنسيَّة.
أعراض الاكتئاب المتمثِّلة في الحالة التي تُعاني منها:
• الخيالات والهلوسات الذهانية.
• ضَعف القدرة على التركيز.
• الشعور المتواصل بالحزن.
• التفكير السلبي كالتعلُّق المرضي ببعض الشخصيات.
• القلق والحساسية المفرطة وانتقاص الذات.
• اضطرابات جنسية حسب المرحلة العمرية.
أسباب حالة الاكتئاب:
• أسباب متعلقة بالوراثة؛ كأن يكون سبَق لأحد أفراد العائلة مِن
المقربين الإصابة بذات الاضطراب.
• أسباب بيولوجية ناجمة عن خلَل في إفراز النواقل العصبية الكيميائية.
• أسباب بيئية؛ كالأساليب التربوية التي تولِّد ضَعف الثقة بالنفس،
وانعدام القدرة على المقاومة، وبعض الظروف البيئية القاسية؛
كالفقد، أو موت شخص عزيز، أو متابعة الأحداث القاهرة.
أهم وسائل العلاج:
• متابَعة الطبيب المختص، فلا بد من العودة للطبيب لتشخيص
حقيقة الاكتئاب ونوع الاضطراب، ومِن ثَمَّ وصف العلاج المناسب،
فالعلاج قائمٌ على التشخيص المباشر الدقيق.
أساليب العلاج:
• العلاج عن طريق العقاقير الطبية التي يتم وصفها مِن قِبَل الطبيب المختص.
• العلاج النفسي من خلال العلاج السلوكي المعرفي.
• العلاج بالصدمة الكهربائية والتحفيز الدماغي.
وأخيرًا نَنصحك بما يلي للمساعدة:
• كن واثقًا دائمًا أن الاكتئاب هو داء له دواء كسائر أنواع الأمراض،
وأن قهره يحتاج منك إلى القوة والإرادة، وتذكَّر حديث أبي الزبير
عن جابر بن عبدالله، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( لكل داءٍ دواء، فإن أُصيبَ دواءُ الداءِ برَأَ بإذن الله ).
• خُذْ قرارك بالتداوي، وتَحلَّ بالصبر في مجاهدة نفسك، والخروج مع
الأهل والأقارب والأشخاص الأسوياء، وابتعِد عن التعلُّق بالأنماط
الحياتية الشاذة بأشكالها كافةً، واستعِنْ بالله والصبر والذكر، وحُسنِ
الظن بالله، واشغَل فراغك العاطفي والروحي بالتوجه إلى العبادة.
• احرِص على أن يكون في يومك أنشطة ترفيهية ورياضية، تَأخذك
بعيدًا عن العُزلة، وتساعدك في تكوين علاقات صداقة صالحة؛
لتكون عونًا لك في العلاج؛ فالجماعات الصالحة من أدوات العلاج.
• لا بد مِن الوصول إلى طريقة لإسعاد نفسك، والتخلُّص من الأحزان؛
كأن تتوجَّه لإنجازات تُشعرك بالفخر، وتزيد من الدافعية والرغبة
في مواجهة أعراض الاكتئاب.
• عليك اختيارَ نمط غذائي فاعل، لمقاومة أعراض الاكتئاب، وتحسين
إفراز الناقلات العصبية؛ مثل: الشوكولاتة الداكنة واللحوم، خاصة
الغنية بأوميجا 3 كالأسماك.
نسأل الله السداد والتوفيق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق