دقة لغوية مذهلة تتجلى في كتاب الله تعالى.. وكل كلمة جاءت
في موضعها الصحيح، ولا يوجد أي اختلاف في هذا الكتاب
العظيم.. لنتدبر هذه الظاهرة البلاغية....
كل كلمة في كتاب الله لها مدلول قوي يناسب مقام الآية.. وهذه الدقة
تشهد أن القرآن لا يمكن أن يكون قول بشر.. ففي قصص الأنبياء نجد أن
كثيراً من الأنبياء خاطبوا قومهم بكلمة يا قومِ.. فهذا هو سيدنا نوح يقول:
{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ
فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ }
[الأعراف: 59].
وهذا هو سيدنا هود عليه السلام يقول لقومه:
{ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ
إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ }
[هود: 50].
كذلك فإن سيدنا صالح عليه السلام يقول لقومه:
{ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ
مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ }
[هود: 61]
{ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ
مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ }
[الأعراف: 80]..
وهكذا حال كثير من الأنبياء.
وينطبق هذا المثال على سيدنا موسى عليه السلام.. الذي كان يخاطب
قومه بقوله: يا قوم... ويقصد بني إسرائيل فقد بعث فيهم.
القرآن يذكر الأنبياء الذين أرسلوا إلى أقوامهم بصيغ متنوعة:
يا قوم، قومه، قومك... وهكذا...
إذاً سيدنا موسى عليه السلام ينادي قومه في كثير من الآيات بقوله:
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ }
[البقرة: 54].
وفي قوله تعالى:
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ }
[إبراهيم: 6]...
وكما نعلم أن موسى أُرسل لبني إسرائيل.. ولكن ماذا عن عيسى
وقد أُرسل إلى بني إسرائيل أيضاً؟
الحال يختلف مع سيدنا عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام! فلا توجد
أي آية في القرآن تجمع كلمة (عيسى) أو (المسيح) مع كلمة (قوم)..
فكان يخاطبهم بقوله: يا بني إسرائيل دائماً من دون أي ذكر للقوم.
يقول سيدنا عيسى:
{ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ }
[المائدة: 72].
ويقول أيضاً:
{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ
مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي
اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ }
[الصف: 6]...
وهكذا في كل القرآن لا نجد ذكراً لقوم عيسى! والآية الوحيدة التي ذكر
فيها سيدنا عيسى مع كلمة (قوم) هي:
{ وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ }
[الزخرف: 57].
وكلمة (قَوْمُكَ) هنا لا تدل على قوم عيسى، بل قوم محمد صلى الله عليه وسلم
لأن الخطاب في هذه الآية للنبي الكريم!! أي أن عيسى ليس له قوم!
ما هو السرّ؟
حتى عندما تحدث القرآن عن السيدة مريم أم المسيح نسبها إلى قومها..
قال تعالى:
{ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا }
[مريم: 27]
. ولكن المسيح لم يُنسب لأي قوم في القرآن.
ولكن لماذا سيدنا عيسى ليس له قوم مثل بقية المرسلين؟؟
وماذا سيحدث لو أن سيدنا عيسى قال لنبي إسرائيل: يا قوم؟؟ أو أن
القرآن قال: لقد أرسلنا عيسى إلى قومه.. مثل بقية الأنبياء
{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ }
{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ }
.. ماذا سيحدث؟ وماذا سيحدث لو أن أحداً أخطأ أثناء كتابة القرآن
أو حرف القرآن وكتب كلمة (قوم) مع اسم (عيسى) ؟؟
إن نسبة الإنسان تكون دائماً لأبيه، فالأب ينتمي لقبيلة أو قوم أو بلد..
وكذلك فإن الابن ينتمي لنفس القبيلة أو القوم أو البلد... فسيدنا نوح
ينتمي لأب من قومه ولذلك نُسب إليهم، وسيدنا إبراهيم ينتمي لأبيه آزر
من قومه فنُسب إلى قومه... وهكذا.. وهنا نتساءل: لمن ينتمي سيدنا
المسيح؟ طبعاً لا ينتمي لأي قوم لأنه وُلد يمعجزة وجاء إلى الدنيا من غير
أب!! ولذلك من الخطأ أن يقول المسيح لبني إسرائيل: يا قوم!! وكان لابد
أن يناديهم بقوله: يا بني إسرائيل.. وهذا ما فعله القرآن.. ولا توجد
ولا آية واحدة تشذّ عن هذه القاعدة.
لو تحدثنا بنفس المنطق وطرحنا السؤال التالي:
ماذا عن آدم عليه السلام ونحن نعلم أنه جاء من غير أب ولا أم بل خلقه
الله من تراب، هل ذكر القرآن قوم آدم؟
بالتأكيد لا يوجد أي ذكر لقوم آدم، فلو بحثنا في القرآن كله لا نجد أي آية
تتحدث عن قوم آدم، بل الآيات تتحدث عن بني آدم.. وهذا من دقة
القرآن الكريم وإحكامه.
إذاً جميع البشر لهم قوم باستثناء نبيين كريمين: آدم وعيسى عليهما
السلام.. وسؤال جديد: هل أغفل القرآن هذه الحقيقة: حقيقة عيسى وآدم؟
أكيد لم يغفل، فقد ذكر القرآن هذه الحقيقة في آية كريمة يقول تعالى فيها:
{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ
ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }
[آل عمران: 59].
. هذه هي الآية الوحيدة في القرآن التي يجتمع فيها اسمي
آدم وعيسى معاً.
فانظروا إلى دقة هذا الكتاب العظيم... هل هو كلام بشر؟
أم كلام خالق البشر تبارك وتعالى؟
بقلم المهندس/ عبد الدائم الكحيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق