وفيه أيضًا من حديث من أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
إن أول ما يسأل العبد يوم القيامة من النعيم، أن يقال له:
ألم نصح جسمك ؟ ونروك من الماء البارد ؟
[رواه الترمذي وصححه الألباني]
وفيه أيضًا عن عبد الله بن الزبير بن العوام عن أبيه قال: لما نزلت
{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}
[التكاثر: 8]،
قال الزبير: وأي نعيم نُسأل عنه، وإنما هو الأسودان: التمر والماء؟!،
قال أما إنه سيكون [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني]
وقوله أما إنه سيكون .. إما أن يكون المراد به:
أن النعيم سيكون ويحدث لكم، وإما أن يرجع إلى السؤال ..
أي إن السؤال يقع عن ذلك وإن كان تمرًا وماءً فإنه من النعيم، ويدل
عليه قوله فى الحديث الصحيح وقد أكلوا معه رطبًا ولحمًا وشربوا من
الماء البارد، فقال رسول الله
هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة،
ظل بارد ورطب طيب وماء بارد
[رواه الترمذي وصححه الألباني] .. فهذا سؤال عن شكره والقيام بحقه.
وعن أبي هريرة وعن أبي سعيد قالا: قال رسول الله :
يؤتى بالعبد يوم القيامة، فيقول الله له: ألم أجعل لك سمعًا وبصرًا ومالاً
وولدًا وسخرت لك الأنعام والحرث وتركتك ترأس وتربع، فكنت تظن
أنك ملاقي يومك هذا؟، فيقول: لا، فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني
[رواه الترمذي وصححه الألباني]
والواقع يشهد بعدم اختصاص الخطاب بالكفار وحدهم، وأن الإلهاء
بالتكاثر واقعٌ من المسلمين كثيرًا .. بل أكثرهم قد ألهاه التكاثر،
وخطاب القرآن عام لمن بلغه وإن كان أول من دخل فيه المعاصرين لرسول الله
فهو متناول لمن بعدهم وهذا معلوم بضرورة الدين .. فقوله
{ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ..} خطاب لكل من اتصف بهذا الوصف،
وهم في الالهاء والتكاثر درجات لا يحصيها إلا الله.
وتأمل ما في هذا العتاب الموجع لمن استمر على إلهاء التكاثر له
مدة حياته كلها إلى أن زار القبور .. ولم يستيقظ من نوم الإلهاء
، بل أرقد التكاثر قلبه فلم يستفق منه إلا وهو في عسكر الأموات ..
وطابق بين هذا وبين حال أكثر الخلق، يتبيَّن لك أن العموم مقصود.
وتأمل تعليقه سبحانه الذم والوعيد على مطلق التكاثر من غير تقييد
بمتكاثرٍ به، ليدخل فيه التكاثر بجميع أسباب الدنيا على اختلاف
أجناسها وأنواعها .. وأيضًا فإن التكاثر تفاعل، وهو طلب كل من
المتكاثرين أن يكثر صاحبه فيكون أكثر منه فيما يكاثره به والحامل
له على ذلك توهمه أن العزة للكاثر.
فلو حصلت له الكثرة من غير تكاثر لم تضره .. كما كانت الكثرة
حاصلة لجماعة من الصحابة ولم تضرهم، إذ لم يتكاثروا بها ..
وكل من كاثر إنسانًا في دنياه أو جاهه أو غير ذلك، شغلته مكاثرته
عن مكاثرة أهل الآخرة .. فالنفوس الشريفة العلوية ذات الهمم العالية
إنما تُكَاثِر بما يدوم عليها نفعه وتَكْمُل به وتزكو وتصير مفلحة، فلا تحب
أن يكثرها غيرها في ذلك وينافسها في هذه المكاثرة ويسابقها إليها ..
فهذا هو التكاثر الذي هو غاية سعادة العبد، وضده: تكاثر أهل الدنيا
بأسباب دنياهم ..
فهذا تكاثر مُله عن الله والدار الآخرة هو صائر إلى غاية القلة، فعاقبة
هذا التكاثر قل وفقر وحرمان .. والتكاثر بأسباب السعادة الآخروية تكاثر
لا يزال بذكر بالله ولقائه، وعاقبته الكثرة الدائمة التي لا تزول ولا تفنى ..
وصاحب هذا التكاثر لا يهون عليه أن يرى غيره أفضل منه قولاً وأحسن
منه عملاً وأغزر علمًا .. واذا رأى غيره أكثر منه في خصلة من خصال
الخير يعجز عن لحاقه فيها، كاثره بخصلة أخرى هو قادر على المكاثرة
بها ..
وليس هذا التكاثر مذمومًا ولا قادحًا في إخلاص العبد، بل هو حقيقة
المنافسة واستباق الخيرات،،
وقد كانت هذه حال الأوس مع الخزرج رضي الله عنهم في تصاولهم
بين يدي رسول الله ومكاثرة بعضهم لبعض في أسباب مرضاته ونصره ..
وكذلك كانت حال عمر مع أبي بكر رضي الله عنهما، فلما تبيَّن له مدى
سبقه له قال: والله لا أسابقك إلى شيءٍ أبدًا.
ومن تأمل حُسن موقع كَلَّا ..
في هذا الموضع، فإنها تضمنت ردعًا لهم وزجرًا عن التكاثر ونفيًا
وابطالاً لما يؤملونه من نفع التكاثر لهم وعزتهم وكمالهم به ..
فتضمنت اللفظة نهيًا ونفيًا، وأخبرهم سبحانه أنهم لا بد أن يعلموا
عاقبة تكاثرهم علمًا بعد علم، وأنهم لا بد أن يروا دار المكاثرين بالدنيا التي
ألهتهم عن الآخرة رؤية بعد رؤية، وأنه سبحانه لا بد أن يسألهم
عن أسباب تكاثرهم من أين استخرجوها وفيما صرفوها.
وتأمل كيف جعلهم عند وصولهم إلى غاية كل حي زائرين غير مستوطنين ..
بل هم مستودعون في المقابر مدة وبين أيديهم دار القرار، فإذا كانوا
عند وصولهم إلى الغاية زائرين، فكيف بهم وهم في الطريق في هذه الدار؟ ..
فهم فيها عابرو سبيل إلى محل الزيارة، ثمَّ منتقلون من محل الزيارة
إلى المستقر ..
فهنا ثلاثة أمور:
عبور السبيل في هذه الدنيا، وغايته زيارة القبور، وبعدها النقلة
إلى دار القرار.
فَلِلَّهِ ما أعظمها من سورة وأجلها وأعظمها فائدة وأبلغها موعظة
وتحذيرًا، وأشدها ترغيبًا في الآخرة وتزهيدًا في الدنيا على غاية
اختصارها وجزالة ألفاظها وحسن نظمها ..
فتبارك من تكلم بها حقًا، وبلغها رسوله عنه وحيًا،،
· المصدر:
عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (183:194) بإختصـــار.
إن أول ما يسأل العبد يوم القيامة من النعيم، أن يقال له:
ألم نصح جسمك ؟ ونروك من الماء البارد ؟
[رواه الترمذي وصححه الألباني]
وفيه أيضًا عن عبد الله بن الزبير بن العوام عن أبيه قال: لما نزلت
{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}
[التكاثر: 8]،
قال الزبير: وأي نعيم نُسأل عنه، وإنما هو الأسودان: التمر والماء؟!،
قال أما إنه سيكون [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني]
وقوله أما إنه سيكون .. إما أن يكون المراد به:
أن النعيم سيكون ويحدث لكم، وإما أن يرجع إلى السؤال ..
أي إن السؤال يقع عن ذلك وإن كان تمرًا وماءً فإنه من النعيم، ويدل
عليه قوله فى الحديث الصحيح وقد أكلوا معه رطبًا ولحمًا وشربوا من
الماء البارد، فقال رسول الله
هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة،
ظل بارد ورطب طيب وماء بارد
[رواه الترمذي وصححه الألباني] .. فهذا سؤال عن شكره والقيام بحقه.
وعن أبي هريرة وعن أبي سعيد قالا: قال رسول الله :
يؤتى بالعبد يوم القيامة، فيقول الله له: ألم أجعل لك سمعًا وبصرًا ومالاً
وولدًا وسخرت لك الأنعام والحرث وتركتك ترأس وتربع، فكنت تظن
أنك ملاقي يومك هذا؟، فيقول: لا، فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني
[رواه الترمذي وصححه الألباني]
والواقع يشهد بعدم اختصاص الخطاب بالكفار وحدهم، وأن الإلهاء
بالتكاثر واقعٌ من المسلمين كثيرًا .. بل أكثرهم قد ألهاه التكاثر،
وخطاب القرآن عام لمن بلغه وإن كان أول من دخل فيه المعاصرين لرسول الله
فهو متناول لمن بعدهم وهذا معلوم بضرورة الدين .. فقوله
{ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ..} خطاب لكل من اتصف بهذا الوصف،
وهم في الالهاء والتكاثر درجات لا يحصيها إلا الله.
وتأمل ما في هذا العتاب الموجع لمن استمر على إلهاء التكاثر له
مدة حياته كلها إلى أن زار القبور .. ولم يستيقظ من نوم الإلهاء
، بل أرقد التكاثر قلبه فلم يستفق منه إلا وهو في عسكر الأموات ..
وطابق بين هذا وبين حال أكثر الخلق، يتبيَّن لك أن العموم مقصود.
وتأمل تعليقه سبحانه الذم والوعيد على مطلق التكاثر من غير تقييد
بمتكاثرٍ به، ليدخل فيه التكاثر بجميع أسباب الدنيا على اختلاف
أجناسها وأنواعها .. وأيضًا فإن التكاثر تفاعل، وهو طلب كل من
المتكاثرين أن يكثر صاحبه فيكون أكثر منه فيما يكاثره به والحامل
له على ذلك توهمه أن العزة للكاثر.
فلو حصلت له الكثرة من غير تكاثر لم تضره .. كما كانت الكثرة
حاصلة لجماعة من الصحابة ولم تضرهم، إذ لم يتكاثروا بها ..
وكل من كاثر إنسانًا في دنياه أو جاهه أو غير ذلك، شغلته مكاثرته
عن مكاثرة أهل الآخرة .. فالنفوس الشريفة العلوية ذات الهمم العالية
إنما تُكَاثِر بما يدوم عليها نفعه وتَكْمُل به وتزكو وتصير مفلحة، فلا تحب
أن يكثرها غيرها في ذلك وينافسها في هذه المكاثرة ويسابقها إليها ..
فهذا هو التكاثر الذي هو غاية سعادة العبد، وضده: تكاثر أهل الدنيا
بأسباب دنياهم ..
فهذا تكاثر مُله عن الله والدار الآخرة هو صائر إلى غاية القلة، فعاقبة
هذا التكاثر قل وفقر وحرمان .. والتكاثر بأسباب السعادة الآخروية تكاثر
لا يزال بذكر بالله ولقائه، وعاقبته الكثرة الدائمة التي لا تزول ولا تفنى ..
وصاحب هذا التكاثر لا يهون عليه أن يرى غيره أفضل منه قولاً وأحسن
منه عملاً وأغزر علمًا .. واذا رأى غيره أكثر منه في خصلة من خصال
الخير يعجز عن لحاقه فيها، كاثره بخصلة أخرى هو قادر على المكاثرة
بها ..
وليس هذا التكاثر مذمومًا ولا قادحًا في إخلاص العبد، بل هو حقيقة
المنافسة واستباق الخيرات،،
وقد كانت هذه حال الأوس مع الخزرج رضي الله عنهم في تصاولهم
بين يدي رسول الله ومكاثرة بعضهم لبعض في أسباب مرضاته ونصره ..
وكذلك كانت حال عمر مع أبي بكر رضي الله عنهما، فلما تبيَّن له مدى
سبقه له قال: والله لا أسابقك إلى شيءٍ أبدًا.
ومن تأمل حُسن موقع كَلَّا ..
في هذا الموضع، فإنها تضمنت ردعًا لهم وزجرًا عن التكاثر ونفيًا
وابطالاً لما يؤملونه من نفع التكاثر لهم وعزتهم وكمالهم به ..
فتضمنت اللفظة نهيًا ونفيًا، وأخبرهم سبحانه أنهم لا بد أن يعلموا
عاقبة تكاثرهم علمًا بعد علم، وأنهم لا بد أن يروا دار المكاثرين بالدنيا التي
ألهتهم عن الآخرة رؤية بعد رؤية، وأنه سبحانه لا بد أن يسألهم
عن أسباب تكاثرهم من أين استخرجوها وفيما صرفوها.
وتأمل كيف جعلهم عند وصولهم إلى غاية كل حي زائرين غير مستوطنين ..
بل هم مستودعون في المقابر مدة وبين أيديهم دار القرار، فإذا كانوا
عند وصولهم إلى الغاية زائرين، فكيف بهم وهم في الطريق في هذه الدار؟ ..
فهم فيها عابرو سبيل إلى محل الزيارة، ثمَّ منتقلون من محل الزيارة
إلى المستقر ..
فهنا ثلاثة أمور:
عبور السبيل في هذه الدنيا، وغايته زيارة القبور، وبعدها النقلة
إلى دار القرار.
فَلِلَّهِ ما أعظمها من سورة وأجلها وأعظمها فائدة وأبلغها موعظة
وتحذيرًا، وأشدها ترغيبًا في الآخرة وتزهيدًا في الدنيا على غاية
اختصارها وجزالة ألفاظها وحسن نظمها ..
فتبارك من تكلم بها حقًا، وبلغها رسوله عنه وحيًا،،
· المصدر:
عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (183:194) بإختصـــار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق