السؤال
♦ الملخص:
شابٌّ مات شيخُه الذي كان يحضر له جلسات العلم، وكان يُمثِّل له الأخ
الأكبر والوالد، فأصابه الحزنُ واليأسُ الشديد.
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعد أن تُوُفِّي إمام مسجدنا رحمه الله تعالى لم أَجِدْ معينًا لي، فقد كان
هذا الشيخ الأخ الأكبر لي، كنتُ أُجالسه في حلقات العلم، والطعام
والسمر، وفجأةً مات!
كرهتُ الحياة، ويئستُ مِن كل شيء، ونزل مستواي الدراسي، وكرهتُ
كلَّ مَن حولي، وأفكر وأقول لنفسي: مهما عشتُ فسأموت،
فما الفائدة المرجوَّة من الدراسة؟
مات مَن كان يدفعني إلى النجاح، مات مَن كان يدلني على أبواب الخير،
مات مَن كنتُ أعدُّه كل شيء في حياتي!
لم أتَخَيَّل أن أفقدَه لحظةً! وهأنا الآن يائسٌ حزينٌ
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
في البداية نُرَحِّب بك في شبكة الألوكة.
شيء جميل أن يَتَعَلَّق شبابنا بالمسجد، ويرتبطوا بحلقات العلم مع
المشايخ الكرام، وتحصل منهم محبةٌ لأهل العلم وصلاحٌ، وأبشر بما
وَعَد به الرسولُ صلى الله عليه وسلم عندما ذَكَر السبعة الذين يُظلهم
الله بظِلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظله، وذَكَر منهم: رجلين تَحَابَّا في الله،
اجْتَمَعَا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورجلًا قلبُه مُعلَّقٌ بالمساجد.
أمَّا استشارتك حول الصدمة التي أصابَتْك بسبب فَقْد الإمام والمعلم
والمُوَجِّه لك، فاعلَمْ أنك مأجورٌ على ذلك عند الله، وأبشِرْ بما وَعَدَ
الله به الصابرين المحتسبين؛
حيث قال سبحانه:
{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ
وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }
[البقرة: 155 - 157].
فالابتلاء واردٌ، والصبرُ مطلوب، والبشارةُ حاصلة، وَعَدَ الله بها،
ونحن مَمْلُوكون لله تحت أمره وتصريفه، فليس لنا مِن أنفسنا وأموالنا شيءٌ،
فإذا ابتلانا بشيءٍ منها فقد تَصَرَّف بمماليكه وأموالهم، فلا اعتراضَ عليه،
بل مِن كمال عبودية العبد علْمُه بأنَّ وُقُوع البلية مِن المالك الحكيم –
رحمة له، وعلى العبد الرضا عن الله، والشكر له على تدبيره.
واعلم ابني العزيز أنَّ الدنيا دار ابتلاء واختبار، وأن الله لم يَخْلُقْنا للبقاء،
وإنما للعمل والتزوُّد للدار الآخرة التي تكتمل فيها السعادةُ للمؤمنين
بالجنة عند لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبِه الكرام،
وكل أحبابنا الأعزاء.
واللهُ وَعَد الأخلاء والأصدقاء المتقين بالاجتماع في تلك الدار الطيبة؛
فقال تعالى:
{ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ }
[الزخرف: 67].
فعليك بالصبر والدعاء له، وكنْ على أمل اللقاء به في الجنة، وابتَعِدْ كلَّ
البعد عن السخط والجزع وعدم الرضا، واعلم أنَّ الموت طريقٌ الكلُّ
سالكُه ولا بد منه، وهو ليس نهاية المطاف.
ومما نوصيك به الاستعانة بالله، وكثرة ذِكْرِه سبحانه وتعالى، وطلب
العون منه، وعليك بصُحبة الأئمة الآخرين، والدعاة الصالحين،
والعلماء الرَّبَّانيين، والذين سوف يُعَوِّضونك صاحبك ويصبرونك،
ويواسونك ويقفون معك في محنتك.
وسوف تجد بإذن الله بينهم مَن يُشبه الشيخ الذي فَقَدْتَه، وربما أفضل
منه، واعلم أن الخير فيما اختاره الله، وقلْ كما أرشد نبيك وحبيبك
محمد صلى الله عليه وسلم:
( اللهم أجِرْني في مصيبتي، واخلفني خيرًا منها ).
عليك التعلق بمحبة الله أولًا وقبل كل شيء، ولا يجوز تقديم أحدٍ على
محبته سبحانه، فهو الحيُّ الذي لا يموت، وهو المنعمُ المتكرم على
العباد، والمستحقُّ للمحبة والعبادة، ثم محبة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ولعل الله يُريد بك خيرًا لتصرف المحبة له سبحانه، وتلك عبادة
عظيمة تكسب بها الرضا والطمأنينة، وترتفع بها في الدنيا والآخرة.
ثم لا بد أن تجعلَ نصيبًا وافرًا من المحبة للوالدين الكريمين،
وتقوم على خدمتهما والقرب منهما والتعلُّق بهما، وتشعرهما بذلك،
فتلك قُربى وطاعة قرَنَها الله بتوحيده.
وفي الختام نقول لك: لله ما أخذ وله ما أعطى، وكلُّ شيءٍ عنده بقَدَرٍ،
فلْتَصْبِرْ ولتحتسبْ
وعظَّمَ الله أجرَك، وأحْسَنَ عزاءك وغَفَر لميتك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق