لا تجرحوهم في العطاء ففي جروح المنع غناء! (1)
يحيى البوليني
عندما يجد اليتيم من يقهره وعندما يجد الفقير من يمنعه حقه الذي كفله
الله له، وعندما يجد الضعيف من يتجبر عليه بما ملكه الله له، وعندما
تجد المرأة من يستأسد عليها وهي أسيرة عنده، ربما تكون كل هذه
الجروح – رغم ألمها الشديد – متحملة، وقد يصبر المجروحون على آلامها،
وربما يضطرون إلى التعايش مع قسوتها لأنها أمر معتاد يتكرر نتيجة
اختلاف تصرفات البشر وأخلاقهم ودرجة تدينهم.
لكن الألم الأشد والأكثر صعوبة عندما يأتيهم الألم من أناس يظنون أنهم
يحسنون إليهم ويقضون لهم حوائجهم ويبيتون لياليهم وهم يشعرون
أنهم قد أدوا ما عليهم تجاه إخوانهم الذين يقفون بجوارهم في محنتهم.
فكم يكره الضرير شعور الشفقة عليه، ويتألم من فعل كل من يتعمد أن
يُذَكره في كل كلمة أو فعل ذلك المعنى البغيض له أنه عاجز ومبتلى،
وأنه يشعر بالشفقة نحوه، وكم يكرهون – وذلك من أفواههم –
ذلك الاسم الذي تسمى به تلك المعاهد التي يُعزلون فيها عن المجتمع
ويدرسون فيها علومهم وتسمى دوما بهذا الاسم أو أشباهه معاهد النور ،
وكأن المبصرين
يجلدونهم صباح مساء بتلك الكلمة التي لا يدري المكفوفون لها معنى
ينطبع في أعماقهم إلا معنى الحرمان من نعمة البصر.
وكم يكره الفقير ذلك الشعور الذي يصدر ممن يعطيه من ماله ممزوجا بنظرة
الشفقة المؤلمة وهو يقدم له من المال ما يضطره لمعاودة السؤال مرة بعد مرة،
وكأنه يشعر أنه لن يخرج من دائرة الحرمان أبدا،
ولن يكون عضوا فاعلا في الحياة بسبب فقره أو عجزه.
وكم يكره اليتيم حينما يشعر أن ما يناله من اهتمام ورعاية من المسلمين
ليس حقا من حقوقه عليهم بقدر ما هو ممزوج بنظرة الشفقة المقيتة
التي يراها في أعين كل من رآه أو أعطاه أو مسح على رأسه.
إن مواساة الفقراء والضعفاء أمر مستحب في الدين، ويحث عليه الخلق الكريم،
لكنه إذا قرن دوما بإشعارهم بالعطف والشفقة وأنهم لا يصلحون لشيء
سوى لنيل الصدقات وتلقي الإعانات تتحطم نفسياتهم وتجرح كرامتهم،
فلا يشعرون بأن لهم نفعا في المجتمع ولن يكون لهم دور فيه،
ولن يستفيد المجتمع من مواهبهم وإمكانياتهم ولن يدمجهم فيه،
بل سيظلون دوما في عزل دائم ينتظرون فقط العطاء وسيكونون دوما اليد السفلى.
وهناك عادة لابد من تعديلها في سلوكيات كثير من المنفقين لأموالهم
أو الباذلين أوقاتهم وجهودهم على إخوانهم، هي أنهم يعطون إخوانهم
المحتاجين ما يسد جوعتهم أو يكسي عورتهم ليعيشوا يوما أو يومين
بلا مسألة، يعطونهم ليأكلوا وليشربوا وليلبسوا، يعطونهم عطاء استهلاكيا
فقط ليبقيهم على تلك الحاجة أبد الدهر.
لكن العطاء الايجابي البناء الفعال الذي يركز على بناء إنسان قادر
على أن يخرج من ربقة السؤال ومذلته، لاشك أنه أفضل وأعظم أجرا،
ويتمثل في تعليمهم علما أو مهنة يتكسبون منها، أو التكفل بهم دراسيا
حتى يتفرغوا للنجاح في العلم إن كانوا من أهله، أو الشفاعة الحسنة
لهم في نيل وظيفة تتناسب مع ما يحملونه من علم أو خبرة، كل هذه المظاهر
وغيرها من أفكار بنائية تدخلهم في خانة المعطين لا الآخذين وتحقق لهم كرامتهم التي
يهدرها ذل الحاجة.
إن الرحمة والشفقة والعطف في حد ذاتهم ليسوا مذمومين، بل على العكس تماما.
فهم من شيم المؤمنين الأتقياء، فينبغي على المؤمن أن يكون رحيما
شفيقا عطوفا على إخوانه من ذوي الحاجات والضعف، لكنها محمودة
عندما يقتصر وجودها داخل قلب المعطي، وهي مذمومة جدا إذا ظهرت
في تصرفات المعطي وشعر بها الضعيف المحتاج.
إن المجتمع الإسلامي ليحتاج في بنائه ونهضته واستمرار تقدمه لجهود كل
أبنائه حتى من ذوي العاهات منهم، وإن أول مرحلة في الاستفادة من هؤلاء
الضعفاء – اسما لا حقيقة – هو شعور الباقين أن هؤلاء مثلهم تماما،
وأنهم يملكون من القدرات على فعل الكثير مما يتوقعونه ومما لا يتوقعونه.
فكم من يتيم نابه قُضي على مستقبله العلمي أو المهني بهذه الشفقة الظالمة
وهذا الانتقاص المؤلم، وكم من رجل كُف بصره لكنه كان مؤثرا في
قيادة أمة الإسلام ورفع رايتها، وكم من قعيد مشلول الأطراف تمكن من
إحياء الأمة بكلماته القليلة المنهكة – صحيا – وهي التي ربت جيلا مسلما م
ؤمنا بطريق الجهاد ضد أعداء الدين، فكان العدو يخشى ردود أفعال الشيخ
المُقعد ويعتبرها أخطر عليه من ردود أفعال حكومات كثيرة لا يلقي لها بالا.
يحيى البوليني
عندما يجد اليتيم من يقهره وعندما يجد الفقير من يمنعه حقه الذي كفله
الله له، وعندما يجد الضعيف من يتجبر عليه بما ملكه الله له، وعندما
تجد المرأة من يستأسد عليها وهي أسيرة عنده، ربما تكون كل هذه
الجروح – رغم ألمها الشديد – متحملة، وقد يصبر المجروحون على آلامها،
وربما يضطرون إلى التعايش مع قسوتها لأنها أمر معتاد يتكرر نتيجة
اختلاف تصرفات البشر وأخلاقهم ودرجة تدينهم.
لكن الألم الأشد والأكثر صعوبة عندما يأتيهم الألم من أناس يظنون أنهم
يحسنون إليهم ويقضون لهم حوائجهم ويبيتون لياليهم وهم يشعرون
أنهم قد أدوا ما عليهم تجاه إخوانهم الذين يقفون بجوارهم في محنتهم.
فكم يكره الضرير شعور الشفقة عليه، ويتألم من فعل كل من يتعمد أن
يُذَكره في كل كلمة أو فعل ذلك المعنى البغيض له أنه عاجز ومبتلى،
وأنه يشعر بالشفقة نحوه، وكم يكرهون – وذلك من أفواههم –
ذلك الاسم الذي تسمى به تلك المعاهد التي يُعزلون فيها عن المجتمع
ويدرسون فيها علومهم وتسمى دوما بهذا الاسم أو أشباهه معاهد النور ،
وكأن المبصرين
يجلدونهم صباح مساء بتلك الكلمة التي لا يدري المكفوفون لها معنى
ينطبع في أعماقهم إلا معنى الحرمان من نعمة البصر.
وكم يكره الفقير ذلك الشعور الذي يصدر ممن يعطيه من ماله ممزوجا بنظرة
الشفقة المؤلمة وهو يقدم له من المال ما يضطره لمعاودة السؤال مرة بعد مرة،
وكأنه يشعر أنه لن يخرج من دائرة الحرمان أبدا،
ولن يكون عضوا فاعلا في الحياة بسبب فقره أو عجزه.
وكم يكره اليتيم حينما يشعر أن ما يناله من اهتمام ورعاية من المسلمين
ليس حقا من حقوقه عليهم بقدر ما هو ممزوج بنظرة الشفقة المقيتة
التي يراها في أعين كل من رآه أو أعطاه أو مسح على رأسه.
إن مواساة الفقراء والضعفاء أمر مستحب في الدين، ويحث عليه الخلق الكريم،
لكنه إذا قرن دوما بإشعارهم بالعطف والشفقة وأنهم لا يصلحون لشيء
سوى لنيل الصدقات وتلقي الإعانات تتحطم نفسياتهم وتجرح كرامتهم،
فلا يشعرون بأن لهم نفعا في المجتمع ولن يكون لهم دور فيه،
ولن يستفيد المجتمع من مواهبهم وإمكانياتهم ولن يدمجهم فيه،
بل سيظلون دوما في عزل دائم ينتظرون فقط العطاء وسيكونون دوما اليد السفلى.
وهناك عادة لابد من تعديلها في سلوكيات كثير من المنفقين لأموالهم
أو الباذلين أوقاتهم وجهودهم على إخوانهم، هي أنهم يعطون إخوانهم
المحتاجين ما يسد جوعتهم أو يكسي عورتهم ليعيشوا يوما أو يومين
بلا مسألة، يعطونهم ليأكلوا وليشربوا وليلبسوا، يعطونهم عطاء استهلاكيا
فقط ليبقيهم على تلك الحاجة أبد الدهر.
لكن العطاء الايجابي البناء الفعال الذي يركز على بناء إنسان قادر
على أن يخرج من ربقة السؤال ومذلته، لاشك أنه أفضل وأعظم أجرا،
ويتمثل في تعليمهم علما أو مهنة يتكسبون منها، أو التكفل بهم دراسيا
حتى يتفرغوا للنجاح في العلم إن كانوا من أهله، أو الشفاعة الحسنة
لهم في نيل وظيفة تتناسب مع ما يحملونه من علم أو خبرة، كل هذه المظاهر
وغيرها من أفكار بنائية تدخلهم في خانة المعطين لا الآخذين وتحقق لهم كرامتهم التي
يهدرها ذل الحاجة.
إن الرحمة والشفقة والعطف في حد ذاتهم ليسوا مذمومين، بل على العكس تماما.
فهم من شيم المؤمنين الأتقياء، فينبغي على المؤمن أن يكون رحيما
شفيقا عطوفا على إخوانه من ذوي الحاجات والضعف، لكنها محمودة
عندما يقتصر وجودها داخل قلب المعطي، وهي مذمومة جدا إذا ظهرت
في تصرفات المعطي وشعر بها الضعيف المحتاج.
إن المجتمع الإسلامي ليحتاج في بنائه ونهضته واستمرار تقدمه لجهود كل
أبنائه حتى من ذوي العاهات منهم، وإن أول مرحلة في الاستفادة من هؤلاء
الضعفاء – اسما لا حقيقة – هو شعور الباقين أن هؤلاء مثلهم تماما،
وأنهم يملكون من القدرات على فعل الكثير مما يتوقعونه ومما لا يتوقعونه.
فكم من يتيم نابه قُضي على مستقبله العلمي أو المهني بهذه الشفقة الظالمة
وهذا الانتقاص المؤلم، وكم من رجل كُف بصره لكنه كان مؤثرا في
قيادة أمة الإسلام ورفع رايتها، وكم من قعيد مشلول الأطراف تمكن من
إحياء الأمة بكلماته القليلة المنهكة – صحيا – وهي التي ربت جيلا مسلما م
ؤمنا بطريق الجهاد ضد أعداء الدين، فكان العدو يخشى ردود أفعال الشيخ
المُقعد ويعتبرها أخطر عليه من ردود أفعال حكومات كثيرة لا يلقي لها بالا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق