حقوق المرأة الأرملة (1)
أحمد حسين الشيمي
المرأة الأرملة هي من فقدت زوجها أو عائلها في مرحلة من مراحل عمرها،
لتتحمل وحدها المسؤولية، خاصة إذا كان لديها أولاد، لتقوم لهم
بدور الأب والأم في نفس الوقت، لكن ليس كما يتصور البعض أن
رحيل الزوج يعني نهاية الحياة، فمن حقها أن تعيش حياة كريمة،
تتناسب مع حقوقها التي كفلها الدين الإسلامي الحنيف.
ليست المسؤوليات التي تقع على عاتق المرأة الأرملة هي وحدها المشكلة،
لكن نظرة المجتمع هي الأخرى تضيف أعباءً ومعاناةً ، لا سيما
أن المرأة تشعر بأن كل المحيطين بها يحسبون عليها حركاتها وسكناتها.
إن المرأة بصفة عامة تحتاج إلى العطف والحنان والرعاية،
والأرملة على وجه الخصوص هي أشد احتياجاً للمعاملة الخاصة،
التي تراعي ظروفها، وتحتاج إلى من يمد لها يد العون والمساعدة سواء من أقاربها
أو المجتمع كله.
الأرملة في الإسلام :
الإسلام حث على حسن رعاية المرأة الأرملة، ودعا المجتمع أن ينظر
لها نظرة إيجابية يجعلها تنخرط فيه، بدلاً من شعورها بالعزلة والوحدة،
كي تقوم بدورها في الحياة، ورعاية أبنائها على أحسن وجه،
وتمتلئ مجتمعاتنا العربية بنماذج مشرفة من الأرامل اللاتي ربين أولادهن
التربية الدينية السليمة ووصلن بهم إلى أعلى الدرجات.
إن المكانة العليا التي خص بها الدين الحنيف الأرملة تتجلى صورتها
في مناسبات كثيرة، كما أن مساعدة الأرملة على قضاء حوائج الحياة
لها فضل وأجر عظيم عند الله سبحانه وتعالى يصل بها العبد إلى المراتب العليا،
مصداقاً لما قال الرسول الكريم صلوات الله عليه في حديث أبي هريرة :
( السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،
أَوِ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ)
رواه البخاري.
الفضل العظيم الذي خص الله به من يقوم برعاية اليتيم هو جزء
من تكريم الإسلام للمرأة الأرملة التي تعول أطفالاً
، فقال النبي الكريم :
( أنَا وكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ. وأشار بأصبعيه، يعني السَّبَّابة والوسطى).
وأجاز الشرع زواج الأرملة بعد قضاء عدتها وهي أربعة أشهر
وعشرة أيام، أو وضع حملها إن كانت حاملاً، خاصة إذا كانت في مقتبل العمر،
ولديها أولاد يحتاجون إلى الرعاية، لتكمل حياتها في أسرة طبيعية،
وتنأى بنفسها عن ما حرم الله.
لكن للأسف الشديد ينهال على الأرملة سيل من الاتهامات والنظرات
المشينة من قبل البعض عندما تفكر في الزواج، وهذه الأمور ليست
من الإسلام في شيء، بل هي أقرب إلى العادات الجاهلية.
ويمكن الرد على هؤلاء بأن المرأة التي يتوفى زوجها،
فإنما هو بقدر الله سبحانه وتعالى،
وكافة النساء معرضات لهذا الموقف، كما أنها قد
تعودت على الحياة الأسرية بكافة جوانبها، فمن الظلم أن نطالبها باستكمال
حياتها بدون عائل أو زوج، فهذه النظرة لا تمت للإسلام بصلة، وتتنافى
مع مبادئنا الشرعية السمحة، التي لا تقبل المساس بحرية
وكرامة المرأة، سواء كانت بنتاً أو أختاً أو زوجةً أو أماً.
ولنا في الرسول الكريم أسوة حسنة، فجميع أمهات المؤمنين كن
من الأرامل، باستثناء عائشة بنت أبي بكر ـ رضي الله عنها وأرضاها ـ
التي تزوجها صلى الله عليه وسلم بكراً.
بالإضافة إلى أن الإسلام شرع حقوقاً مالية للمرأة الأرملة من مال زوجها،
ولا يجوز لأحد أن يأخذ أرثها بدون رضاها، وإن لم يكن لدى زوجها
مال يكفيها لتأمين متطلبات الحياة، أوجب الشرع مساعدة كل أفراد المجتمع لها .
نظرة البعض للمرأة الأرملة على أنها تفتقد الحنان والعطف
نتيجة وفاة زوجها، وأنها سهلة المنال، يجعلها عرضة للابتزاز
والمضايقات من قبل الكثيرين، وتمتلئ الصحف بأخبار عن تعرض
الكثيرات منهن للتحرش، مما يزيد من معاناتها ويدفع بعضهن
إلى الانعزال عن المجتمع خشية التعرض لمكروه.
وبطبيعة الحال تتحمل الأرملة مسؤوليات كبيرة تجاه أسرتها،
أشارت إليها الباحثة الاجتماعية هدى علاوي بقولها :
إن غياب أحد الوالدين إما بوفاة أو طلاق له الكثير من المردودات
السلبية على الأطفال، فالمرأة عند فقدانها لزوجها تتضاعف عليها
الكثير من المسؤوليات والالتزامات وأهمها توفير الاستقرار النفسي
والمادي لأبنائها، فالرجل الصالح يعتبر هو الركيزة
الأساسية لبناء الأسرة ، وفقدانه يؤدي
الى حالة من عدم الاستقرار النفسي والفكري والمادي.
وهنا تكمن المسؤولية الكبرى للزوجة فهي التي تستطيع أن تحتوي
أبناءها في ظل الظروف الاجتماعية التي قد تعيشها في منزل أسرتها،
أو في منزل مستقر بها من خلال توطيد علاقتهم مع ربهم أولاً، ثم
تربيتهم على المحبة بينهم ، وزيادة ثقتهم بأنفسهم من خلال تحميلهم
بعض المسؤوليات خاصة لمن هم في مرحلة المراهقة ، مع ضرورة الاستعانة
برجل قريب لأبنائها سواء عم أو خال تثق به ليتقرب من
أبنائها ويراقبهم خارج المنزل ومعرفة مع من يذهبون.
مشيرة إلى أن مسؤولية الأم تزداد كلما كان المجتمع الذي حولها
يسيء معاملة أطفالها الأيتام؛ لا سيما ممن يجهلون بعض تعاليمنا الإسلامية
التي تدعو الى رعاية اليتيم والجزاء الذي يقابله فكيف إذا كان هذا اليتيم
ابن ابنتهم الأرملة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق