إبراهيم عليه السلام القدوة الأسوة
{ وإذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ
قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۖ
قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}
[سورة البقرة 124].
١: الاقتداء بإتمامه للكلمات، ودعائه بعدها:
{ وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ }
هذا أول خبر يقرأه التالي للقرآن عن هذا النبي، القامة الشامخة:
( إبراهيم عليه الصلاة و السلام)،
وهو خبر مجمل كما ترى، ومن الملاحظ أن كل ماجاء في القرآن بعد ذلك
من الأخبار عن هذا النبي الكريم إنما هو تفصيل لهذا الإجمال،
كل ماجاء بعد ذلك هو بيان لهذه (الكلمات) التي أتمها
إبراهيم عليه السلام:
ابتلاه الله بكلمات ( قدرية) ،
وكلمات (شرعية) :
•• أقدار عجيبة وقعت عليه - لم نسمع أنها وقعت على غيره- ، فوفى!
ومن ذلك قدر الإلقاء في النار، فكان العجب
كل العجب في شأنه مع هذا القدر!
ومن يستطيع لحاق غباره في توحيده هناك؟!
••وأوامر ونواهٍ أمر بها - لم نسمع أنه أُمر بها غيره- فوفى!
ومن ذلك أمره بذبح ابنه الذي وُهِبه على الكبر، وتعلقت به شعبة
من شعاب القلب الذي لايعلم أغواره إلا الله، فوفى!
ومن يلحق غباره في توحيده هناك؟!
أمر ببناء البيت، فوفى !
وأمر بتطهيره للعاكفين والركع السجود فوفى!
وهو مع هذا كله مشغول بأهم مايشغل به العابد، ألا وهو :
(قبول الله لعمله)، ليثمر له ذاك الانشغال هذا الدعاء العظيم :
{ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} !
هذا (الإتمام )الذي قابل به إبراهيم كلمات ربه، وهذا (الدعاء )الذي صدر
منه بعد هذا الإتمام، قد أخبرنا الله تعالى به؛ ليعلمنا أنه قد كانت لكم
في إبراهيم أسوة حسنة؛ فليكن أسوتكم!
و هكذا كان؛
فالعبد الذي رضي بأبيه إبراهيم عليه السلام أسوةً، ولم يرض لنفسه
بالدون، ولم يبعها بيع المغبون؛ لاتفارق عينه معاملة أبيه لكلمات ربه،
فيسعى جاهدا لإتمام كلمات الله عليه هو أيضا، ثم لاتفارق عينه تقصيره
في جنب عظمة الله، وإنعام الله مهما فعل من الطاعات؛ لتكون النتيجة
لذلك هي ماقاله إبراهيم عليه السلام:
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم !
٢ - الاقتداء بحبه لهداية من بعده:
هذا ماكان من العبد الصالح إبراهيم-عليه السلام-،
فكيف عامله رب العالمين الذي وصف نفسه بأنه الشكور ؟
{قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}!
لقد رفعه سبحانه إلى درجة هي نهاية آمال المتأملين ، حيث جعله قدوة
للعالمين ، من سار على طريقه وصل إلى ربه ، حتى أنه أمر
نبينا صلى الله عليه وسلم باتباع ملته.
وانظر لتر العجب من إبراهيم عليه السلام بعد ذلك:
ماذا فعل حين اغتبط بهذا المقام العالي؟
لقد بادر عليه السلام حين قال له ربه :
{إني جاعلك للناس إماما} ، من فوره إلى سؤال
ذلك الشرف لذريته، فقال سريعا:
{ومن ذريتي} !!
إلى من يدّعي -بلسان حاله- فقرنا للقدوات،
فيستورد لنا الفتات من هنا وهناك:
بمثل هذه النفسية يكون الاقتداء !
رجال لايحبون حصر الخير على أنفسهم، بل ولايجاهدون أنفسهم في ذلك،
فما هو إلا أن يصيبهم الخير حتى يبادروا إلى تمنيه للغير!
بمثل هذه الهمم العالية، والمقامات السامية يكون الاقتداء !
إنك حين تقرأ عنه دعاءه:
ربنا وابعث فيهم رسولا منهم:
يتلو عليهم آياتك،،
ويعلمهم،،
ويزكيهم،،
لاتملك إلا أن تتعجب من حرصه على نشر الهداية لمن بعده !
وهل سألت يوما من هؤلاء الذين بعده؟!
إنهم ( نحن) !!
لقد استجاب الله دعاءه فينا، وأرسل فينا رسولا يتبع ملته، ونتبع نحن
رسولنا، ويسير الركب إلى الله على نفس الطريق المنار بأدق التعليمات
والتفاصيل، وينادي متعجبا من التائهين الزائغين عن اليسار واليمين:
{ ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه }؟!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق