إهـــــمـــــال أهـــل اللــغـــة
نعم إن للغرب والاستعمار دورٌ كبيرٌ في تدمير لغتنا العربية,
لكن هذا لا ينسينا الدور الكبير الذي لعبه إهمال المسلمين للغتهم,
وترك تعلمها والبحث في مضانها,الذي أودى بالعربية ودمر دولة الإسلام,
وقد ظهر إهمال العرب للغتهم في نواحيَ شتى, أهمها :
1- مناهج التعليم
إن مما يؤخذ على مناهج تعليم اللغة العربية عموماً,عجزها عن بث الاعتزاز
في نفوس الطلاب بلغتهم العربية التي هي أساس دينهم
والشعور بقوتها ومرونتها وجمالها وحيويتها
وقدرتها على استيعاب التطورات العلمية والتقنية الحديثة,
كما يؤخذ عليها أنها لا تولي اهتماماً كافياً بتنمية مهارات الطلاب اللغوية
وتعويدهم ممارسة اللغة واستخدام مفرداتها وصيغها المكتسبة
بشكلٍ فعليٍّ مباشر مما يساعد على تقويم ألسنتهم، وتصحيح أقلامهم،
وتنمية قدراتهم ومواهبهم الكتابية والخطابية،
وإثارة الحماسة فيهم لتعلم اللغة والبراعة فيها.
ومن خلال دراسات الباحثين لمناهج تعليم اللغة العربية
نجد افتقار كتب اللغة العربية إلى عنصر التشويق،
لعدم ارتباطها بواقع الطالب وحياته العملية وحاجاته ومتطلباته
وظروف عصره,وافتقارها كذلك إلى الترابط، بحيث يسير تدريس
كل مادة بشكل مستقل عن المواد الأخرى،وهذا مما يبدد جهد الطالب
ويفقده الإحساس بترابط جوانب اللغة وحيوية موضوعاتها,
وأن بعض النصوص المختارة في هذه الكتب والمقررات
لا تتلاءم مع المستوى العقلي واللغوي لناشئة هذا العصر,
هذا إضافة إلى اتصاف كثير من مقررات النحو والصرف
بشيء من الجفاف والتعقيد والرتابة وعدم التركيز على الوظيفة الأساسية
لعلمي النحو والصرف وهي ضبط الكلمات وصيانة اللسان
من الخطأ في النطق، وسلامة الكتابة مما يشينها.
وقد كتب فهمي هويدي مقالاً بعنوان: "دعوة إلى تعريب لسان العرب"
يذكر ما حاق باللغة العربية من إهمال وعبث،
وسماه كارثة في العالم العربي؛ لأنه رأى طلاب الأزهر في المرحلة الابتدائية
ملزمين بتعلم الفرنسية، مع أن فرنسا تحرم تعليم أي لغة أجنبية
في تلك المرحلة المبكرة.
2- الإعلام
إن وسائل الإعلام بصورة عامة تخرب اللغة العربية،
وقد رأينا بعض هذه الوسائل وهي الصحافة نموذجاً للشعور المؤلم
عن الكتاب، فنرى المسرحيات والقصص بلهجاتٍ متعددة,
فقد نشرت جريدة الأهرام في الملحق قصة باللغة العامية.
وفي دراسةٍ للشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن المقحم
توصل إلى أن لغة وسائل الإعلام تشتمل على ألفاظٍ أعجميةٍ
وعاميةٍ وأخطاءَ نحويةٍ وعباراتٍ ركيكة، وإعلانات لا تراعي
حتى أبسط قواعد اللغة العربية.
ومن أهم الظواهر السلبية في الإعلام:
• شيوع استخدام المذيعين للعامية,خاصةً في المقابلات والحوارات.
• استخدام العديد من الألفاظ الأجنبية,مثل: Ok / bravo /.
• ضحالة الأسلوب وضعف الزاد اللغوي لدى المذيعين غالباً ،
وسبب ذلك قصور اطلاعهم على أساليب البلغاء وكلام الفصحاء .
3- مجامع اللغة ودورها في ذلك
من خلال البحث نرى أن هناك عدة مجامع للغة العربية حول العالم,
فقد تعددت المسميات حول البلدان العربية,فهناك مجمعٌ في دمشق
وآخر في بغداد والمجمع لأصلي الذي أنشئ في القاهرة,
وهذا إن أوحى بشيء فلا يوحي إلا بالتشرذم وفقدان الهوية الإسلامية
التي كانت تميز تلك البلاد,ومن مهام مجمع اللغة العربية في مصر:
إحياء التراث العربي ودراسة اللهجات العربية قديمها وحديثها دراسة علمية
لخدمة الفصحى والبحث العلمي.
والناظر لهذه المهام يعلم بأن هذا المجمع ما أقيم إلا لإثارة القوميات,
لأنه كما رأينا يريد إحياء التراث العربي,بعيداً عن تقوية العربية
وربطها بالإسلام كونها لغته ومصدر فهمه.
4- دور الأنظمة
لقد عانت اللغة العربية ما عانت من الحكومات والأنظمة السياسية
ولا سيما عربيتنا في وقتنا الحاضر,
لقد مارست هذه الانظمة حرباً على اللغة نفسها,
لكنها حربٌ غير معلنة إذ أنها تظهر الغيرة والحمية
لكنها تخفي في يدها خنجر القتل الذي تحاول غرزه في خاصرة اللغة شيئاً
فشيئاً حتى كأن اللغة تبدو ـ لمن ينظر إليها ـ
معافاة سليمة في ظل هذه الأنظمة لما تصدره من قوانين وتوصيات
وتعليمات للحفاظ على سلامتها.
وفي مقالٍ بعنوان ( انقراض اللغة العربية خلال القرن الحالي )
للأستاذ الدكتور علي القاسمي,
عرض فيه لثلاث قضايا في غاية الأهمية والخطورة الأولى:ـ
أقل من 30 بالمئة من الجذور العربية مثلاً وأن هذه النسبة
هي التي تستمد قدسيتها من القرآن الكريم،
أما غالبية اللغة العربية فليست مقدسة,ولهذا فهي عرضة للتغيير
وربما للانقراض.
أما القضية الثانية:ـ فهي ما أكدته منظمة اليونسكو في تقريرها الأخير
أن عدداً من لغات العالم مهددة بالانقراض ومن بينها اللغة العربية
وقد أيد اللغوي المصري الدكتور رشدي طعيمة ما ورد في التقرير
مستنداً إلى كتابٍ ألفه اللساني البريطاني ديفيد كريستال بعنوان
( موت اللغة ) الذي صدر عن مطبعة جامعة كمبرج إذ يعدد مؤلفه
تسعة شروطٍ لموت اللغة، ويضيف الدكتور رشدي طعيمة قائلاً:
وجميع هذه الشروط تنطبق على اللغة العربية في وضعها الراهن.
أمَّا القضية الثالثة:ـ فهي تخص الأنظمة السياسية وما تمارسه
من حربٍ معلنةٍ أو غير معلنة, في القضاء على اللغة العربية
وهذا ما يطلق عليه ( علم اللغة الإرهابي ) المتمثل بالسياسات اللغوية
للأنظمة العربية إذ تشير الدراسات إلى أن هذه الأنظمة
تميل إلى تفضيل اللهجات العامية واللغات الأجنبية في مجالات الحياة
المختلفة كالإعلام والتعليم وتشجيع العامية في الإذاعة والتلفزة
ولا تحرك ساكناً في منعها أو التقليل منها.
ملخص :
بدهاءٍ شديد ومكرٍ خبيث اتخذ أعداء الإسلام اللغة العربية بوابة خلفية؛
للنيل من المسلمين وإبعادهم عن عقيدتهم،
واستخدموا صنوفاً من المكائد للوصول إلى مآربهم الخسيسة
ومراميهم الدنيئة.
لكن الله تعالى حفظ اللغة العربية في كتابه الكريم,
وقد كرَّم اللغة العربية وفضَّلها على سائر لغات أهل الأرض،
فهي لغة أهل الجنّة ، وبها أنزل القرآن الكريم آخر الكتب السّماوية
معجزاً في بلاغته وفصاحته،بل تحدّى الإنس والجنّ
على أن يأتوا بمثله في الفصاحة والبيان والبلاغة.
وقد قال حافظ إبراهيم في العربية :
رجـعـت لـنـفـسـي فـاتـهـمـت حـصـاتــي
ونـاديـت قـومـي فـاحـتـسـبــت حـيـاتــي
رمـونـي بـعـقـم فـي الـشـبـاب ولـيـتـنـي
عـقـمــت فـلــم أجـــزع لــقــول عــداتــي
ولـــدت ولــمــا لـــم أجــــد لـعــرائــســي
رجــــــــلا وأكــــفـــــاء وأدت بـــنـــاتــــي
وســعــت كــتـــاب الله لــفــظــا وغــايـــة
ومـــا ضــقــت عـــن آي بـــه وعــظــات
فـكـيـف أضـيـق الـيـوم عـن وصـف آلـة
وتـنــســيــق أســـمـــاء لـمــخــتــرعــات
أنـا الـبـحـر فـي أحـشـائــه الــدر كـامــن
فـهـل سـألـوا الـغـواص عـن صـدفـاتــي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق