اللغة العربية بين مكر أعدائها و إهمال أهلها
الجزء الأول – 2
مقدمة
إنه لما كان الإنسان اجتماعياً بطبعه,
كان لا بد من وجود وسيلةٍ يتفاهم بها مع من حوله ويتواصل معهم,
فكانت اللغة كرموزٍ يسهل التعامل فيها بين بني البشر,
واللغات عبارة عن الألفاظ الموضوعة للمعاني يعبر بها الناس
عما في نفوسهم,واللغة العربية هي الكلمات التي يعبر بها العرب
عن أغراضهم وقد وصلت إلينا عن طريق النقل,
وحفظها القرآن الكريم والأحاديث الشريفة وما رواه الثقات
من منثور العرب ومنظومهم.
وقد جاء الإسلام بلسانٍ عربيّ مبين ،
ليُعطي دلالة أن لغة العرب أشرف اللغات ،
و أن الحفاظ عليها من الحفاظ على الشريعة،
و أنه لا يمكن أن يُقام حكم الله في الأرض إلا بفقه هذه اللغة ،
وتعلمها و تعليمها.
ولا يمتري أحدٌ في أن اللغة العربية وعلومها تنزل من علوم الإسلام ومعارفه
منزلة اللسان من جوارح الإنسان, بل يصدق فيها القول:
بأنها تنزل منزلة القلب من الجسد ؛
لأنها لغة الإسلام التي بها نزل القرآن,
وهو الدستور المهيمن على سائر شؤون الحياة.
فإذا اعترى اللغة العربية أو أصابها جمودٌ باعد بينها
وبين ألسنة المسلمين وعقولهم,واستعجم عليهم فهم كتاب الله تعالى,
وأغلقت دونهم أبوابه,عندها يصعب عليهم فهم أسراره التشريعية.
والناظر إلى ماضي المسلمين يرى في يسرٍ ووضوح
أن عهود التقدم والقوة , وأزمان المجد والسيادة في تاريخ الأمة الإسلامية
كانت مرتبطةً أشد الارتباط بفهم القرآن الكريم وأساليبه فهماً
كان منطلقاً من فهم أسرار هذه اللغة والنهل من منابعها,
ولم تكن العناية باللغة العربية في عصور الإسلام الذهبية
بأقل من العناية بأي شأنٍ من شؤون الدين؛بل لقد كان الدين دافعاً قوياً
على العناية بها, وحسبنا أن نعلم أن قواعدها لم تدوَّن إلا صوناً للقرآن
الكريم من أن يدلف إليه اللحن.
مكـــــر الأعـــــــــــداء
لا خوف على مستقبل اللغة العربية، ولا على مستقبل الإسلام؛
لأن الله سبحانه وتعالى قد تعهّد بحفظ كتابه الكريم رسالة ولغة
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }
الحجر : 9
وإنما الخوف كل الخوف على أنفسنا، على المنتسبين إلى الإسلام،
وعلى أبناء اللغة العربية حين يقفون جميعًا بين يدي الله
ويحاسبون على تقصيرهم في حماية اللغة العربية ونصرتها
وحماية دينهم ونصرته.
وليس ثمة شكّ أن معركة الإسلام معركة ممتدة في الأرض والزمن
ولن تتوقف؛ فأعداء الله مصرُّون على نشر فسادهم
وضلالهم ينفقون أموالهم بسخاء لنشر الفتنة والفساد في الأرض،
والإسلام مصرٌّ على نشر الحق والصلاح والدعوة إلى الله ورسوله
كلما وجد جنوده المؤمنين المتقين الصادقين الذين يطلبون الدار الآخرة
ويؤثرونها على الدنيا,واللغة العربية لسان الإسلام والمسلم
ولسان الدعوة الإسلامية في الأرض، فمعركتها تمثل جزءاً رئيساً
من معركة الإسلام.
وأعداء الله يدركون هذه الحقيقة فرسموا نهجهم الشيطاني
ومكروا مكرهم العميق، وكادوا كيدهم الشديد ضد اللغة العربية
وضد القرآن الكريم.
وكان المنفذ إلى ذلك إضعاف فهم المسلمين لدينهم
وشريعتهم الإسلامية , وأسهل طريقٍ لذلك ضرب اللغة العربية
التي هي أساس فهم التشريع الإسلامي,فلم يترك الغرب
وسيلةً تساعد على ذلك إلا واستخدموها, وكان من أبرز الدعوات
التي نادت بهدم اللغة العربية دعوة المستشرق وليام ولكوكس
ومن بعده دعوة القاضي ويلمور الذين قدموا نصائح -على حد تعبيرهم-
للعرب والمسلمين,بأن إصلاح الحرف العربي لا يتم إلا بتنحيته جانباً,
والكتابة بالحروف اللاتينية بدلاً منه.
وقد سلك أعداء الإسلام وخصوم الفصحى سبلاً شتى وطرقاً مختلفة
في حربهم للغة القرآن ، ومن تلك الوسائل :
1-الدعوة إلى العامية وإحياء اللهجات المحلية
لقد اهتم أعداء الفصحى بالدعوة إلى هجر الفصحى وإقصائها من حياتهم ،
لأنها سبب تأخرهم والعائق دون تقدمهم ولحاقهم لركب الحضارة,
ودعوا في الوقت نفسه إلى إحياء العامية واستخدامها في التأليف
والمخاطبة ، وألقوا في ذلك المحاضرات،وعقدوا الندوات.
وأول من دعا إلى ذلك الدكتور / ولهم اسبيتا الألماني ,
ففي سنة 1880م وضع كتاباً عنوانه
" قواعد العربية العامية في مصر"
وهذا الكتاب يعده الباحثون أول محاولة جدية لدراسة
لهجة من اللهجات العربية المحلية،
ودعا سبيتا في كتابه إلى اتخاذ العامية لغة أدبية بحجة صعوبة
اللغة العربية الفصحى ، وأشار بطريقةٍ ماكرةٍ إلى فتح العرب لمصر ،
ونشر لغتهم العربية بين أهلها وقضائها على اللغة القبطية
لغة البلاد الأصلية.
وهو يحاول بهذا إثارة العنصرية العرقية المصرية ضد اللغة العربية.
وكذلك اللورد كرومر الذي ألف كتاب ( مصر الحديثة ),
حيث جعل لغة التعليم الرسمية هي الإنجليزية ,
وقد أشار حافظ إبراهيم إلى محاربة كرومر للعربية بقوله:
قضيت على أم اللغات وإنها قضاء علينا أو سبيل إلى الردى
2- إلغـاء الحرف العربي والكنايـة بالحرف اللاتيني
ومن الوسائل التي سلكها أعداء الفصحى الدعوة إلى إلغاء الحرف العربي
والاستعاضة عنه بالحرف اللاتيني ،
وذلك بعد أن شعر أعداء الإسلام بأن الدعوة إلى العامية لم تجد قبولاً
مناسباً ، ففكروا في طريقة أخرى تحقق لهم ما يريدون ،
فجاءت الفكرة الشيطانية.
وقد افتتح هذه الدعوة المستشرق الفرنسي" لويس ماسينون"
عندما ألقى محاضرة في جمع من الشباب العربي في باريس
عام 1929م،ومما جاء في محاضرته: إنه لا حياة للغة العربية
إلا إن كتبت بحروف لاتينية وقد تحمس لهذه الفكرة
وتبناها عبد العزيز فهمي ،
فدعا إلى استبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية.
وقد فند هذه النظرية باحثٌ غربي يدعى "إدوارد بنسون",
الذي حذر من استخدام الحروف اللاتينية في كتابة اللغة العربية,
وأنه إن تم المس بالحروف العربية فإن ذلك يؤدي إلى
المس بالقرآن الكريم,وهذا بدوره يعمل على هدم صرح الإسلام
الذي أساسه اللغة العربية.
والهدف المعلن هو تسهيل اللغة العربية وتخفيفها,
لكن المخفي أعظم لأن همهم الأول والأخير
هو تدمير اللغة وتضييعها,فباستخدام الحروف اللاتينية
فإن أكثر من اثني عشر حرفاً من حروف العربية ستضيع؛
لأنه لا مقابل لها في اللاتينية,وبهذا سوف تدخل في حروف أخرى
وتضيع الحروف الأصلية ، وهذا هو هدف أعداء الإسلام .
فماذا سيكون مصير ذلك التراث العلمي الضخم الذي انتجته العقول المسلمة
على مدار التاريخ ؟؟
وماذا سيكون مصير القرآن والسنة ؟؟
إن الهدف هو هدم العرب وتدمير الإسلام.
3- المناداة باللغة الوسطى
هذه وسيلةٌ ثالثةٌ وهي اتخاذ لغةٍ وسطى،
وهي لغة الصحافة دون الفصحى وفوق العامية ،
وهي محاولةٌ ماكرةٌ هدفها فصل اللغة العربية الفصحى
عن لغة الكتابة والتحدث لتكون تمهيداً لاستخدام العامية ،
فأرادوا التدرج في ذلك.
وحتى يتمكن أعداء الإسلام من تلبية رغبتهم الماكرة,
زرعوا هذه الفكرة في عقول العديد ممن كانوا مضبوعين
بثقافة الغرب,فنادى هؤلاء المعمية أبصارهم وبصائرهم
بإستخدام الحرف اللاتيني عوضاً عن العربي ووضعوا حججاً لذلك,منها:
عدم وجود حروفٍ في العربية تمثل حركة المد القصير
مما يشيع اللحن, وتعدد صور الحرف الواحد,
مما يولد الإرتباك في التعلم والقراءة,وغيرها من الحجج الواهية,
ومن أبرز الدعاة لهدم العربية واستبدالها بالحروف اللاتينية:
فريد أبوحديد ، وأمين الخولي ، وتوفيق الحكيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق