الأصحاب في القرآن 2)
تأليف أبو إسلام أحمد بن علي
3- أصحاب الكهف
- أصحاب الكهف كانوا فتية شبابا فألهمهم الله رشدهم وآتاهم تقواهم
فآمنوا بربهم و اعترفوا له بالوحدانية وشهدوا أنه لا إله إلا هو ,
وصبروا على مخالفة قومهم ومدينتهم ومفارقة ما كانوا فيه
من العيش الرغيد والسعادة والنعمة فقد ذكر أنهم كانوا من أبناء ملوك
الروم وسادتهم وأنهم خرجوا يوما في بعض أعياد قومهم
وكان لهم مجتمع في السنة يجتمعون فيه في ظاهر البلد وكانوا
يعبدون الأصنام والطواغيت ويذبحون لها وكان لهم ملك جبار
عنيد يقال له دقيانوس وكان يأمر الناس بذلك ويحثهم عليه ويدعوهم
إليه فلما خرج الناس لمجتمعهم ذلك وخرج هؤلاء الفتية مع آبائهم
وقومهم ونظروا إلى ما يصنع قومهم بعين بصيرتهم عرفوا أن
هذا الذي يصنعه قومهم من السجود لأصنامهم والذبح لها لا ينبغي
إلا لله الذي خلق السماوات والأرض فجعل كل واحد منهم يتخلص
من قومه وينحاز منهم ويتبرز عنهم ناحية فكان أول من جلس
منهم وحده أحدهم جلس تحت ظل شجرة فجاء الآخر فجلس إليها
عنده وجاء الآخر فجلس إليهما وجاء الآخر فجلس إليهم وجاء الآخر
وجاء الآخر ولا يعرف واحد منهم الآخر وإنما جمعهم هناك الذي
جمع قلوبهم على الإيمان , وجعل كل أحد منهم يكتم ما هو عليه
عن أصحابه خوفا منهم ولا يدري أنهم مثله حتى قال أحدهم تعلمون
والله يا قوم إنه ما أخرجكم من قومكم وأفردكم عنهم إلا شيء فليظهر
كل واحد منكم بأمره فقال آخر أما أنا فإني والله رأيت ما قومي عليه
فعرفت أنه باطل وإنما الذي يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك به شيء
هو الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما وقال الآخر وأنا والله
وقع لي كذلك وقال الآخر كذلك حتى توافقوا كلهم على كلمة واحدة
فصاروا يدا واحدة وإخوان صدق فاتخذوا لهم معبدا يعبدون الله فيه
فعرف بهم قومهم فوشوا بأمرهم إلى ملكهم فأستحضرهم بين يديه
فسألهم عن أمرهم وما هم عليه فأجابوه بالحق ودعوه إلى الله عز وجل ,
فلما دعوه إلى الإيمان بالله أبى عليهم وتهددهم وتوعدهم وأمر
بنزع لباسهم عنهم الذي كان عليهم من زينة قومهم وأجلهم لينظروا
في أمرهم لعلهم يرجعون عن دينهم الذي كانوا عليه وكان هذا من
لطف الله بهم فإنهم في تلك النظرة توصلوا إلى الهرب منه
والفرار بدينهم من الفتنة إلى كهف , وهذا هو المشروع عند
وقوع الفتن في الناس أن يفر العبد منهم خوفا على دينه .
- أصحاب الكهف هم شباب صدَّقوا ربهم وامتثلوا أمره،
وزِدْناهم هدى وثباتًا على الحق. وقوَّينا قلوبهم بالإيمان،
وشددنا عزيمتهم به، حين قاموا بين يدي الملك الكافر،
وهو يلومهم على تَرْكِ عبادة الأصنام فقالوا له: ربنا الذي نعبده
هو رب السموات والأرض، لن نعبد غيره من الآلهة، لو قلنا غير
هذا لكُنَّا قد قلنا قولا جائرًا بعيدًا عن الحق. ثم قال بعضهم لبعض :
هؤلاء قومنا اتخذوا لهم آلهة غير الله، فهلا أتَوْا على عبادتهم لها
بدليل واضح، فلا أحد أشد ظلمًا ممن اختلق على الله الكذب بنسبة الشريك
إليه في عبادته. وحين فارقتم قومكم بدينكم، وتركتم ما يعبدون من
الآلهة إلا عبادة الله، فالجؤوا إلى الكهف في الجبل لعبادة ربكم وحده،
يَبْسطْ لكم ربكم من رحمته ما يستركم به في الدارين، ويسهل لكم من
أمركم ما تنتفعون به في حياتكم من أسباب العيش. فلما فعلوا ذلك
ألقى الله عليهم النوم وحَفِظهم . وترى -أيها المشاهد لهم- الشمس إ
ذا طلعت من المشرق تميل عن مكانهم إلى جهة اليمين، وإذا غربت
تتركهم إلى جهة اليسار ، وهم في متسع من الكهف ، فلا تؤذيهم
حرارة الشمس و لا ينقطع عنهم الهواء ، ذلك الذي فعلناه
بهؤلاء الفتية من دلائل قدرة الله .
من يوفقه الله للاهتداء بآياته فهو الموفَّق إلى الحق ، و من لم يوفقه
لذلك فلن تجد له معينًا يرشده لإصابة الحق ؛
لأن التوفيق والخِذْلان بيد الله وحده .
و تظن أيها الناظر أهل الكهف أيقاظًا، وهم في الواقع نيام، ونتعهدهم بالرعاية،
فنُقَلِّبهم حال نومهم مرة للجنب الأيمن ومرة للجنب الأيسر؛ لئلا
تأكلهم الأرض، وكلبهم الذي صاحَبهم مادٌّ ذراعيه بفناء الكهف،
لو عاينتهم لأدبرت عنهم هاربًا، ولَمُلِئَتْ نفسك منهم فزعًا.
وكما أنمناهم وحفظناهم هذه المدة الطويلة أيقظناهم مِن نومهم
على هيئتهم دون تغيُّر؛ لكي يسأل بعضهم بعضًا: كم من الوقت
مكثنا نائمين هنا؟ فقال بعضهم : مكثنا يوما أو بعض يوم،
وقال آخرون التبس عليهم الأمر : فَوِّضوا عِلْم ذلك لله، فربكم أعلم بالوقت
الذي مكثتموه، فأرسِلوا أحدكم بنقودكم الفضية هذه إلى مدينتنا فلينظر :
أيَّ أهل المدينة أحلُّ وأطيب طعامًا؟ فليأتكم بقوت منه، وليتلطف في
شرائه مع البائع حتى لا ننكشف ، ويظهر أمرنا، ولا يُعْلِمَنَّ بكم أحدًا
من الناس إن قومكم إن يطَّلعوا عليكم يرجموكم بالحجارة، فيقتلوكم،
أو يردوكم إلى دينهم، فتصيروا كفارًا ، ولن تفوزوا بمطلبكم مِن
دخول الجنة - إن فعلتم ذلك - أبدًا. وكما أنمناهم سنين كثيرة،
وأيقظناهم بعدها، أطْلَعنا عليهم أهل ذلك الزمان، بعد أن كشف البائع
نوع الدراهم التي جاء بها مبعوثهم؛ ليعلم الناس أنَّ وَعْدَ الله بالبعث حق،
وأن القيامة آتية لا شك فيها، إذ يتنازع المطَّلِعون على أصحاب الكهف
في أمر القيامة: فمِن مُثْبِتٍ لها ومِن مُنْكِر، فجعل الله إطْلاعهم على
أصحاب الكهف حجة للمؤمنين على الكافرين. وبعد أن انكشف أمرهم،
وماتوا قال فريق من المطَّلِعين عليهم: ابنوا على باب الكهف بناءً
يحجبهم، واتركوهم وشأنهم، ربهم أعلم بحالهم، وقال أصحاب الكلمة
والنفوذ فيهم : لنتخذنَّ على مكانهم مسجدًا للعبادة .
و قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبور الأنبياء
والصالحين مساجد، ولعن مَن فَعَلَ ذلك في آخر وصاياه لأمته،
كما أنه نهى عن البناء على القبور مطلقًا ، وعن تجصيصها
والكتابة عليها؛ لأن ذلك من الغلو الذي قد يؤدي إلى عبادة مَن فيها..
سيقول بعض الخائضين في شأنهم من أهل الكتاب : هم ثلاثةٌ،
رابعهم كلبهم، ويقول فريق آخر : هم خمسة، سادسهم كلبهم،
وكلام الفريقين قول بالظن من غير دليل، وتقول جماعة ثالثة:
هم سبعة ، وثامنهم كلبهم، قل -أيها الرسول-: ربي هو الأعلم بعددهم،
ما يعلم عددهم إلا قليل من خلقه. فلا تجادل أهل الكتاب في عددهم
إلا جدالا ظاهرًا لا عمق فيه، بأن تَقُصَّ عليهم ما أخبرك به الوحي فحسب ،
و لا تسألهم عن عددهم وأحوالهم؛ فإنهم لا يعلمون ذلك .
التفسير الميسر .
قال الله تعالى :
{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً }
الكهف9
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق