وقل ربي ادخلني مدخل صدق 2
قال -رحمه الله: البخل وهو منع الحقوق الواجبة ثمرة الشح، والإيثار ثمرة الجود، والجود عشر مراتب:
الجود بالنفس، والجود بالراحة، والجود بالعلم، والجود بالمال، والجود بالجاه، والجود بنفع البدن، والجود بالعرض،
والجود بالعفو عن جنايات الخلق، والجود بالخُلُق، والبشر والبسطة، والجود بترك ما في أيدي الناس،
وغير الجود بالمال، ولكل واحدة من هذه ثمرات جلية طيبة.
البخل يقول: هو منع الحقوق الواجبة، ثمرة الشح، ماذا يقصد بهذا؟ العلماء تكلموا كثيراً في البخل والشح، ما الفرق بينهما.
فبعضهم قال: البخل والشح بمعنى واحد، وهذا لا إشكال فيه بالنظر إلى المعاني الأصلية،
وأما المعاني الخادمة التي يسمونها بالمعاني التكميلية فإن البخل له معنى يخصه، والشح له معنى يخصه،
فبعضهم يقول: إن الشح هو الصفة النفسانية والبخل هو مقتضاها من الأخلاق العملية من الإمساك والتقتير.
وبعضهم يقول: البخل أن يبخل الإنسان على نفسه، والشح أن يمنع حقوق الله الواجبة حتى الزكاة يمنعها
وحقوق الناس الواجبة، حقوق الخلق ما يجب عليه، يقال له: شح.
وبعضهم يقول: البخل أن يبخل على نفسه، والشح أن يتطلع إلى ما في أيدي الناس، يود لو أخذه،
لو وضع يده عليه، وبعض الناس لا يكون بخيلاً في نفسه فقط، بل يضيق ذرعاً إذا رأى أحداً يتصدق أو يريد
أن يتبرع بمشروع، أو يقيم شيئاً لله -تبارك وتعالى، يضيق صدره بذلك، أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى [سورة العلق:9، 10]،
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ [سورة النساء:37]،
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا
[سورة المنافقون:7].
فهنا ابن القيم جعل البخل نتيجة للشح، يعني ابن القيم يقول بأن البخل هو الممارسة العملية،
والشح هي الصفة النفسية، هذا أحد الأقوال وهو من أجودها، وابن القيم -رحمه الله- له جُمل وعبارات جيدة في هذا المعنى.
تطرق بعد هذا إلى موضوع الإيثار الذي يقابل البخل والشح، وحقيقة الإيثار هو أن يقدم الإنسان غيره
على نفسه في حظوظها -بعضهم قيده- الدنيوية، باعتبار أنه لا إيثار في الطاعات والقرب؛ لأن ذلك مؤذن
بالزهد فيما عند الله -تبارك وتعالى، لكن تقديم الغير على النفس في حظوظها الدنيوية مع الحاجة إلى
ذلك هذا هو الإيثار، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [سورة الحشر:9] فهذا الإيثار. الإيثار
ثمرة الجود والبخل ثمرة الشح، ثم ذكر أن الجود عشر مراتب، وذكر كلاماً جميلاً في هذا يحسن انتخاب
بعض الجمل منه، وأنا أستأذنكم في هذا في بعض المواضع؛ لأنها في غاية النفاسة، وأرى من المفيد
أن نطلع عليها، فهو يقرر أن الإيثار ضد الشح، ويقول: "بأن المؤثر على نفسه تارك لما هو محتاج إليه، والشحيح حريص على ما ليس بيده"
فهنا ذكر قولاً آخر وجعله في ضمن ما قال، حريص على ما ليس بيده فإذا حصل بيده شيء شح عليه،
وبخل به، بخل بإخراجه فالبخل ثمرة الشح والشح يأمر بالبخل، كما قال النبي ﷺ: إياكم والشح
فإن الشح أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا[16]،
والله -تبارك وتعالى- كما نعلم أضافه إلى النفس، قال: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ [سورة الحشر:9]؛
ولذلك لشدة علوق الشح بالنفوس وتغلغله فيها، قال: فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [سورة الحشر:9]،
علق الفلاح بهذا؛ لأن الإنسان إذا صار شحيحاً، أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا،
فالبخيل -يقول: من أجاب داعي الشح، والمؤثر: من أجاب داعي الجود.
ثم ذكر المراتب هذه، الجود بالنفس هو الأول، قال: وهو أعلى مراتبه كما قال الشاعر:
يجود بالنفس إذ ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود
أو رأى أن مكانه هنا أنه يكون معبراً للمنكر، فإنه يترك ذلك لله وفي الله، ومن الجود بالرياسة:
أن يتخلى الإنسان عنها إذا كان يشعر أنه لا يستطيع أن يقدم جديداً، أن يقدم مفيداً، أن ينفع في هذا الباب
يقول: هناك من هم أفضل مني، لا جديد عندي في هذا الموضوع، فهذا من أعلى الجود، لكن من الناس
من لا يفرط بهذا إطلاقاً ويرى أنه من المكاسب العظيمة التي لا يمكن أن يتخلى عنها، ولو عرف حقائق الأشياء
لما فعل ذلك، ولكنها الحجب.uالثاني: الجود بالرياسة، قال: وهو ثاني مراتب الجود، فيحمل الجواد جوده
على امتهان رياسته والجود بها والإيثار في قضاء حاجات الملتمس. يعني يذهب مع الناس في حاجاتهم
يخدهم إلى آخره، ما يقول: أنا جلست على هذا الكرسي لا يدخل علي أحد إلا بعد العناء والتعب،
وينحجب عن الناس، لا؛ يجود برئاسته فينفع الناس ويخدم الناس، وأعلى من هذا من يجود في رئاسته
في سبيل مرضاة الله -تبارك وتعالى، فإذا طلب منه شيء يسخطه الله
يقول: الثالث: "الجود براحته ورفاهيته، وإجمام نفسه. فيجود بها تعبا وكدا في مصلحة غيره. ومن هذا جود الإنسان بنومه ولذته"
، يتعب من أجل أن يسعد الآخرون، يقل نومه، تقل راحته، لا يذهب للاستجمام. سماحة الشيخ عبد العزيز
بن باز -رحمه الله- في مقابلة أجريت معه قديماً، ذكر أنه منذ أربعين سنة ما خرج في يوم واحد إجازة،
ونحن لربما كثيراً ما نفكر في الإجازات وتحصيل أكبر قدر من ذلك.
الرابعة: الجود بالعلم وبذله، وهو من أعلى مراتب الجود، والجود به أفضل من الجود بالمال؛ لأن العلم أشرف من المال،
فبعض الناس لا يقدم قليلاً ولا كثيراً، لا ينتفع به، لو أردت منه كلمة فقط بعد الصلاة في مسجد لم يقدم شيئاً،
لكن بعض هؤلاء لربما لو قيل له بمقابل مادي، تذهب إلى بلد وتعطى مقابل وتقدم برامج وتصلي بالناس في رمضان
وتلقي كلمات يومياً لربما قبل، لكنه في حيه لا يقدم كلمة واحدة، ولربما تجد الحي الواحد فيه من أساتذة الجامعات
ما يورث الزحام على أبواب المسجد من قبل هؤلاء، ولا يلقى فيه كلمة واحدة في هذا المسجد، أين الجود؟
بل لربما طلب من بعضهم أن يجيب على الأسئلة، أو يحال عليه بعض الناس الذين عندهم مشكلات ويساعدهم،
فيقول: أنت تعرف الآن الاستشارات أصبحت لها في هذا العصر نوع اختصاص، وهناك مكاتب استشارية ومقابل،
كأنه يلوح أنه يريد ما يقابل ذلك، ومثل هذا الذي يعبر للناس الرؤى بطريقة بالاتصال،
يدفعون من خلال اتصالهم يشعرون أو لا يشعرون، فهذا خلاف الجود بالعلم.
يقول: "ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك أمراً عجيباً: كان إذا سئل عن مسألة حكمية
ذكر في جوابها مذاهب الأئمة الأربعة إذا قدر، ومأخذ الخلاف، وترجيح القول الراجح، وذكر متعلقات المسألة
التي ربما تكون أنفع للسائل من مسألته، فيكون فرحه بتلك المتعلقات واللوازم أعظم من فرحه بمسألته"،
وهذه فتاويه -رحمه الله- بين الناس فمن أحب الوقوف عليها رأى ذلك فيها.
قال -رحمه الله: البخل وهو منع الحقوق الواجبة ثمرة الشح، والإيثار ثمرة الجود، والجود عشر مراتب:
الجود بالنفس، والجود بالراحة، والجود بالعلم، والجود بالمال، والجود بالجاه، والجود بنفع البدن، والجود بالعرض،
والجود بالعفو عن جنايات الخلق، والجود بالخُلُق، والبشر والبسطة، والجود بترك ما في أيدي الناس،
وغير الجود بالمال، ولكل واحدة من هذه ثمرات جلية طيبة.
البخل يقول: هو منع الحقوق الواجبة، ثمرة الشح، ماذا يقصد بهذا؟ العلماء تكلموا كثيراً في البخل والشح، ما الفرق بينهما.
فبعضهم قال: البخل والشح بمعنى واحد، وهذا لا إشكال فيه بالنظر إلى المعاني الأصلية،
وأما المعاني الخادمة التي يسمونها بالمعاني التكميلية فإن البخل له معنى يخصه، والشح له معنى يخصه،
فبعضهم يقول: إن الشح هو الصفة النفسانية والبخل هو مقتضاها من الأخلاق العملية من الإمساك والتقتير.
وبعضهم يقول: البخل أن يبخل الإنسان على نفسه، والشح أن يمنع حقوق الله الواجبة حتى الزكاة يمنعها
وحقوق الناس الواجبة، حقوق الخلق ما يجب عليه، يقال له: شح.
وبعضهم يقول: البخل أن يبخل على نفسه، والشح أن يتطلع إلى ما في أيدي الناس، يود لو أخذه،
لو وضع يده عليه، وبعض الناس لا يكون بخيلاً في نفسه فقط، بل يضيق ذرعاً إذا رأى أحداً يتصدق أو يريد
أن يتبرع بمشروع، أو يقيم شيئاً لله -تبارك وتعالى، يضيق صدره بذلك، أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى [سورة العلق:9، 10]،
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ [سورة النساء:37]،
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا
[سورة المنافقون:7].
فهنا ابن القيم جعل البخل نتيجة للشح، يعني ابن القيم يقول بأن البخل هو الممارسة العملية،
والشح هي الصفة النفسية، هذا أحد الأقوال وهو من أجودها، وابن القيم -رحمه الله- له جُمل وعبارات جيدة في هذا المعنى.
تطرق بعد هذا إلى موضوع الإيثار الذي يقابل البخل والشح، وحقيقة الإيثار هو أن يقدم الإنسان غيره
على نفسه في حظوظها -بعضهم قيده- الدنيوية، باعتبار أنه لا إيثار في الطاعات والقرب؛ لأن ذلك مؤذن
بالزهد فيما عند الله -تبارك وتعالى، لكن تقديم الغير على النفس في حظوظها الدنيوية مع الحاجة إلى
ذلك هذا هو الإيثار، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [سورة الحشر:9] فهذا الإيثار. الإيثار
ثمرة الجود والبخل ثمرة الشح، ثم ذكر أن الجود عشر مراتب، وذكر كلاماً جميلاً في هذا يحسن انتخاب
بعض الجمل منه، وأنا أستأذنكم في هذا في بعض المواضع؛ لأنها في غاية النفاسة، وأرى من المفيد
أن نطلع عليها، فهو يقرر أن الإيثار ضد الشح، ويقول: "بأن المؤثر على نفسه تارك لما هو محتاج إليه، والشحيح حريص على ما ليس بيده"
فهنا ذكر قولاً آخر وجعله في ضمن ما قال، حريص على ما ليس بيده فإذا حصل بيده شيء شح عليه،
وبخل به، بخل بإخراجه فالبخل ثمرة الشح والشح يأمر بالبخل، كما قال النبي ﷺ: إياكم والشح
فإن الشح أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا[16]،
والله -تبارك وتعالى- كما نعلم أضافه إلى النفس، قال: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ [سورة الحشر:9]؛
ولذلك لشدة علوق الشح بالنفوس وتغلغله فيها، قال: فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [سورة الحشر:9]،
علق الفلاح بهذا؛ لأن الإنسان إذا صار شحيحاً، أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا،
فالبخيل -يقول: من أجاب داعي الشح، والمؤثر: من أجاب داعي الجود.
ثم ذكر المراتب هذه، الجود بالنفس هو الأول، قال: وهو أعلى مراتبه كما قال الشاعر:
يجود بالنفس إذ ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود
أو رأى أن مكانه هنا أنه يكون معبراً للمنكر، فإنه يترك ذلك لله وفي الله، ومن الجود بالرياسة:
أن يتخلى الإنسان عنها إذا كان يشعر أنه لا يستطيع أن يقدم جديداً، أن يقدم مفيداً، أن ينفع في هذا الباب
يقول: هناك من هم أفضل مني، لا جديد عندي في هذا الموضوع، فهذا من أعلى الجود، لكن من الناس
من لا يفرط بهذا إطلاقاً ويرى أنه من المكاسب العظيمة التي لا يمكن أن يتخلى عنها، ولو عرف حقائق الأشياء
لما فعل ذلك، ولكنها الحجب.uالثاني: الجود بالرياسة، قال: وهو ثاني مراتب الجود، فيحمل الجواد جوده
على امتهان رياسته والجود بها والإيثار في قضاء حاجات الملتمس. يعني يذهب مع الناس في حاجاتهم
يخدهم إلى آخره، ما يقول: أنا جلست على هذا الكرسي لا يدخل علي أحد إلا بعد العناء والتعب،
وينحجب عن الناس، لا؛ يجود برئاسته فينفع الناس ويخدم الناس، وأعلى من هذا من يجود في رئاسته
في سبيل مرضاة الله -تبارك وتعالى، فإذا طلب منه شيء يسخطه الله
يقول: الثالث: "الجود براحته ورفاهيته، وإجمام نفسه. فيجود بها تعبا وكدا في مصلحة غيره. ومن هذا جود الإنسان بنومه ولذته"
، يتعب من أجل أن يسعد الآخرون، يقل نومه، تقل راحته، لا يذهب للاستجمام. سماحة الشيخ عبد العزيز
بن باز -رحمه الله- في مقابلة أجريت معه قديماً، ذكر أنه منذ أربعين سنة ما خرج في يوم واحد إجازة،
ونحن لربما كثيراً ما نفكر في الإجازات وتحصيل أكبر قدر من ذلك.
الرابعة: الجود بالعلم وبذله، وهو من أعلى مراتب الجود، والجود به أفضل من الجود بالمال؛ لأن العلم أشرف من المال،
فبعض الناس لا يقدم قليلاً ولا كثيراً، لا ينتفع به، لو أردت منه كلمة فقط بعد الصلاة في مسجد لم يقدم شيئاً،
لكن بعض هؤلاء لربما لو قيل له بمقابل مادي، تذهب إلى بلد وتعطى مقابل وتقدم برامج وتصلي بالناس في رمضان
وتلقي كلمات يومياً لربما قبل، لكنه في حيه لا يقدم كلمة واحدة، ولربما تجد الحي الواحد فيه من أساتذة الجامعات
ما يورث الزحام على أبواب المسجد من قبل هؤلاء، ولا يلقى فيه كلمة واحدة في هذا المسجد، أين الجود؟
بل لربما طلب من بعضهم أن يجيب على الأسئلة، أو يحال عليه بعض الناس الذين عندهم مشكلات ويساعدهم،
فيقول: أنت تعرف الآن الاستشارات أصبحت لها في هذا العصر نوع اختصاص، وهناك مكاتب استشارية ومقابل،
كأنه يلوح أنه يريد ما يقابل ذلك، ومثل هذا الذي يعبر للناس الرؤى بطريقة بالاتصال،
يدفعون من خلال اتصالهم يشعرون أو لا يشعرون، فهذا خلاف الجود بالعلم.
يقول: "ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك أمراً عجيباً: كان إذا سئل عن مسألة حكمية
ذكر في جوابها مذاهب الأئمة الأربعة إذا قدر، ومأخذ الخلاف، وترجيح القول الراجح، وذكر متعلقات المسألة
التي ربما تكون أنفع للسائل من مسألته، فيكون فرحه بتلك المتعلقات واللوازم أعظم من فرحه بمسألته"،
وهذه فتاويه -رحمه الله- بين الناس فمن أحب الوقوف عليها رأى ذلك فيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق