وقل ربي ادخلني مدخل صدق 4
قال رحمه الله: فمنشأ جميع الأخلاق الفاضلة من هذه الأربعة، ومنشأ جميع
الأخلاق السافلة وبناؤها على أربعة أركان: الجهل والظلم والشهوة والغضب.
هذه الأخلاق الفاسدة مقابل الأخلاق الصالحة، الجهل والظلم والشهوة والغضب،
وذكر ابن القيم -رحمه الله- كلاماً مفيداً في هذه الأمور، كيف تتفرع منها
الأخلاق السيئة، فالجهل يقول: "فالجهل يريه الحسن في صورة القبيح والقبيح
في صورة الحسن، والكمال نقصاً والنقص كمالاً"
والظلم يحمله على وضع الشيء في غير موضعه، فيغضب في موضع الرضى، ويرضى في
موضع الغضب، ويجهل في موضع الأناة، ويبخل في موضع البذل، ويبذل في موضع
البخل، ويحجم في موضع الإقدام، ويقدم في موضع الإحجام، ويلين في موضع الشدة
ويشتد في موضع اللين، ويتواضع في موضع العزة ويتكبر في موضع التواضع"
يقول: "والشهوة تحمله على الحرص والشح والبخل وعدم العفة والنهمة والجشع
والذل والدناءات كلها، والغضب يحمله على الكبر والحقد والحسد والعدوان
والسفه"
يقول: "وملاك هذه الأربعة أصلان –الأخلاق السيئة: إفراط النفس في الضعف
وإفراطها في القوة، فيتولد من إفراطها في الضعف: المهانة، والبخل، والخسة،
واللؤم، والذل، والحرص، والشح، وسفساف الأمور والأخلاق، ويتولد من إفراطها
في القوة: الظلم والغضب والحدة والفحش والطيش، ويتولد من تزوج أحد الخلقين
بالآخر: أولاد غية كثيرون؛ فإن النفس قد تجمع قوة وضعفاً"[33]، كيف تجمع
قوة وضعف؟ هذا كما ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- عن الرافضة، كيف أحياناً
يظهرون في مظهر كما نشاهد الآن إذا تمكنوا في مظهر القوة والبطش والفتك،
وفي مقامات أخرى بمنتهى المهانة، ولعلكم ترون بعض المقاطع التي يتداولها
الناس التي تصور مهانتهم مع أسيادهم من المحتل ونحو ذلك، كما يرددون في
أمثالهم الفاسدة: اليد التي لا تستطيع قطعها قبلها، يرددون هذا، فالشاهد
هنا يتكلم عن الازدواج الذي يحصل بين الخلقين المذمومين؛ الأخلاق الغضبية
والأخلاق التي تقابلها مثلاً.
يقول: "ويتولد من تزوج أحد الخلقين بالآخر أولاد غية كثيرون، فإن النفس قد تجمع قوة وضعفاً فيكون صاحبها أجبر الناس إذا قدر
شيخ الإسلام قال عن الرافضة: إذا تمكنوا أظهروا ما عندهم من الحقد والغل،
فيحصل منهم البطش والقتل والإفساد والتنكيل بلا رحمة، وحينما يكون هؤلاء في
حال من الاستضعاف والمهانة فإنهم يكونون أذل الناس وأخس الناس نفساً لمن
قدر عليهم وأذلهم.
يقول: "فيكون صاحبها أجبر الناس إذا قدر، وأذلهم إذا قُهِر، ظالم عنوف
جبار، فإذا قُهر صار أذل من امرأة؛ جبان عن القوي جريء على الضعيف.
فالأخلاق الذميمة يولد بعضها بعضاً، كما أن الأخلاق الحميدة يولد بعضها
بعضاً". هذا كلامه على هذه الأصول في الأخلاق.
ثم ذكر كلاماً جيداً في تغيير الأخلاق، كيف يستطيع الإنسان أن يغير
الأخلاق، نحن نسمع عن بعض الناس أن الطبع لا يتغير، وأن نقل الجبل أسهل من
تغيير الطبع، هل هذا الكلام صحيح أو لا؟ فابن القيم -رحمه الله- يذكر أن
أصعب ما على الطبيعة الإنسانية تغيير الأخلاق التي طبعت النفوس عليها، ثم
بعد ذلك ضرب مثلاً، وهذا المثل واضح ومفيد، يقول، ضرب مثلاً: بنهرٍ جارٍ في
صببه ومنحدره ومنته إلى تغريق أرض وعمران ودور، وأصحابها يعلمون أنه لا
ينتهي حتى يخرب دورهم ويتلف أراضيهم وأموالهم، فانقسموا ثلاث فرق
فهذا موقف الناس من الأخلاق، التعامل مع القوة الغضبية والقوة الشهوانية في
نفس الإنسان، كل إنسان عنده قوة غضبية وقوة شهوانية، فكيف التعامل مع مثل
هذه الأشياء، يقول: انقسموا إلى ثلاث فرق، الآن هذا النهر المنحدر هو يمثل
القوة الغضبية أو الشهوانية.
ثلاث فرق: فرقة صرفت قواها وقوى الأعمال إلى حبسه وإيقافه. فيضعون ردميات
وحواجز لإيقاف هذا النهر المتدفق المنحدر الهادر، هل يستطيعون إيقافه؟
هؤلاء لن يستطيعوا إيقافه، يقول: "هؤلاء لا يصنعون شيئاً". لاحظوا ماذا يقصد بهذا في معالجة الأخلاق؟
الثلاثاء، 29 سبتمبر 2020
وقل ربي ادخلني مدخل صدق 4
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق