موسوعة المؤرخين (49)
الطبري .. العالم الموسوعي (الجزء الثاني)
من مؤلَّفات الطبري
تدلُّ مؤلَّفات الطبري على غزارة علمه، وسَعَة ثقافته، ودقته في اختيار
العلوم الشرعية والأحكام المتعلقة بها، وطول نَفَسِه، وصبره على البحث
والدرس؛ فقد ذكر الخطيب في تاريخه أنَّ محمد بن جرير مكث أربعين سنة
يكتب في كل يومٍ منها أربعين ورقة .
ومن أشهر هذه المؤلَّفات:
1- "جامع البيان عن تأويل القرآن" المعروف بتفسير الطبري،
قال السيوطي عن تفسير الطبري: "وكتابه أجلُّ التفاسير وأعظمها" ،
وقال النووي: "أجمعت الأمة على أنه لم يُصنَّف مثل تفسير الطبري" ،
وقال أبو حامد الإسفراييني: "لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له كتاب
تفسير ابن جرير لم يكن ذلك كثيرًا .
2- "تاريخ الأمم والملوك" المعروف بتاريخ الطبري.
3- "اختلاف علماء الأمصار في أحكام شرائع الإسلام" المعروف
بـ"اختلاف الفقهاء"، وهو في علم الخلاف.
4- "تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار"،
وسمّاه القفطي: "شرح الآثار"، وهو كتاب في الحديث.
5- "آداب القضاة"، وهو في الفقه عن أحكام القضاء وأخبار القضاة.
منهج الطبري العلمي والفكري
منهج الطبري في التفسير
لم يُقدِم الطبري على تفسير كتاب الله تعالى إلا بعد نضوج الفكر، واكتمال
العقل، وتحصيل العلوم، والتزود بآلات التفسير ووسائله، ولم يكن ليفسِّر
القرآن بمجرد الهوى والتَّشهِّي والرأي، بل سار على منهج واضح وخطة
حكيمة، وفوق ذلك فقد رسم الخطوط العريضة لتفسير القرآن الكريم، ووضع
القواعد الصحيحة، واستنَّ القوانين الحكيمة، ووضع السياج الأمين للحفاظ
على مقاصد الشريعة.
وقد قدَّم الطبري مقدمة مستفيضة لكتابه، تحتوي أصول التفسير في الإسلام؛
ليلتزم بها بنفسه، ويرسم الطريق لمن يأتي بعده، ويحدد الحدود لتناول كتاب
الله تعالى؛ وقد عرض الطبري منهجه بإيجاز، بعد أن بيَّن فضل محمد بالنبوة
والمعجزات، وفضل الله على هذه الأمة بحفظ كتابها ومعجزة نبيها، ثم بين
فضل العناية بكتاب الله، ثم قال: "ونحن في شرح تأويله، وبيان ما فيه من
معانٍ مُنشِئون كتابًا مستوعبًا، لكل ما بالنَّاس إليه الحاجة من علمه جامعًا،
ومن سائر الكتب غيره في ذلك كافيًا، ومخبرون في كل ذلك، بما انتهى إلينا
من اتفاق الحُجَّة فيما اتفقت عليه الأمة، واختلافها فيما اختلفت فيه منه،
ومبينو عِلَلَ كلِّ مذهب من مذاهبهم، وموضحو الصحيح لدينا من ذلك، بأوجز
ما أمكن من الإيجاز في ذلك، وأخصر ما أمكن من الاختصار فيه" ، ثم شرع
الطبري بتفصيل منهجه في أصول التفسير مع ذكر الأدلة الشرعية واللغوية،
وضرب الأمثلة العملية من القرآن الكريم والسنة وكلام العرب واللغة والشِّعر.
وتفسير الطبري ذو منهج خاص، يذكر فيه الآية أو الآيات من القرآن،
ثم يعقبها بذكر أشهر الأقوال التي أثرت عن الصحابة والتابعين
في تفسيرها، ثم يورد بعد ذلك رواياتٍ أخرى متفاوتة الدرجة في الثقة
والقوة في الآية كلِّها أو بعض أجزائها، بناءً على خلافٍ في القراءة،
أو اختلافٍ في التأويل، ثم يعقب كل ذلك بالترجيح بين الروايات، واختيار
أولاها بالتقدمة، وأحقها بالإيثار، ثم ينتقل إلى آية أخرى، فينهج نفس النهج
عارضًا ثم ناقدًا ثم مرجحًا؛ وهو إذ ينقد أو يرجح، يرد النقد أو الترجيح
إلى مقاييس تاريخية من حال رجال السند في القوة والضعف، أو إلى مقاييس
علمية وفنية: من الاحتكام إلى اللغة التي نزل فيها الكتاب، نصوصها وأقوال
شعرائها، ومن نقد القراءة وتوثيقها أو تضعيفها، ومن رجوع إلى ما تقرَّر
بين العلماء من أصول العقائد، أو أصول الأحكام أو غيرهما من ضروب
المعارف التي أحاط بها ابن جرير، وجمع فيها مادة لم تجتمع لكثير
من غيره من كبار علماء عصره" .
وبعد أن بين الطبري ذلك وضع قواعد التفسير، وأصول التأويل، وحذَّر
من التفسير بالرأي، والتلاعب في كلام الله تعالى بحسب الأهواء والأغراض،
وأورد الأحاديث الكثيرة بأسانيدها في تحريم ذلك، وتجنَّب التفسير بالرأي
المجرد، وقال: "إن ما كان من تأويل آي القرآن الذي لا يدرك علمه إلا بنص
بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بنصبه الدلالة عليه، فغير جائز
لأحد القيل فيه برأيه؛ لأن إصابته ليست إصابة موقن أو محق، وإنما هو
إصابة خارص وظانّ، والقائل في دين الله بالظن قائل على الله ما لم يعلم،
وقد حرَّم الله ذلك" .
ويلتزم الطبري بما اتفق عليه المسلمون في درجات التفسير؛ فيلجأ أولاً
إلى تفسير القرآن بالقرآن، ثم إلى تفسيره بالسُّنة البيانية وما ثبت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يتبع ذلك بالآثار الواردة عن الصحابة
رضوان الله عليهم، وعن التابعين.
منهج الطبري في التاريخ
يُعتَبَر الطبريُّ أبا التاريخ، وهو عمدة المؤرخين عند العرب والمسلمين،
وهو أول مؤرِّخ وصل إلينا كتابه العام والكامل في التاريخ، ويعتمد عليه كل
من كتب في التاريخ على الإطلاق، وكان ثقة في نقله .
الطبري .. العالم الموسوعي (الجزء الثاني)
من مؤلَّفات الطبري
تدلُّ مؤلَّفات الطبري على غزارة علمه، وسَعَة ثقافته، ودقته في اختيار
العلوم الشرعية والأحكام المتعلقة بها، وطول نَفَسِه، وصبره على البحث
والدرس؛ فقد ذكر الخطيب في تاريخه أنَّ محمد بن جرير مكث أربعين سنة
يكتب في كل يومٍ منها أربعين ورقة .
ومن أشهر هذه المؤلَّفات:
1- "جامع البيان عن تأويل القرآن" المعروف بتفسير الطبري،
قال السيوطي عن تفسير الطبري: "وكتابه أجلُّ التفاسير وأعظمها" ،
وقال النووي: "أجمعت الأمة على أنه لم يُصنَّف مثل تفسير الطبري" ،
وقال أبو حامد الإسفراييني: "لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له كتاب
تفسير ابن جرير لم يكن ذلك كثيرًا .
2- "تاريخ الأمم والملوك" المعروف بتاريخ الطبري.
3- "اختلاف علماء الأمصار في أحكام شرائع الإسلام" المعروف
بـ"اختلاف الفقهاء"، وهو في علم الخلاف.
4- "تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار"،
وسمّاه القفطي: "شرح الآثار"، وهو كتاب في الحديث.
5- "آداب القضاة"، وهو في الفقه عن أحكام القضاء وأخبار القضاة.
منهج الطبري العلمي والفكري
منهج الطبري في التفسير
لم يُقدِم الطبري على تفسير كتاب الله تعالى إلا بعد نضوج الفكر، واكتمال
العقل، وتحصيل العلوم، والتزود بآلات التفسير ووسائله، ولم يكن ليفسِّر
القرآن بمجرد الهوى والتَّشهِّي والرأي، بل سار على منهج واضح وخطة
حكيمة، وفوق ذلك فقد رسم الخطوط العريضة لتفسير القرآن الكريم، ووضع
القواعد الصحيحة، واستنَّ القوانين الحكيمة، ووضع السياج الأمين للحفاظ
على مقاصد الشريعة.
وقد قدَّم الطبري مقدمة مستفيضة لكتابه، تحتوي أصول التفسير في الإسلام؛
ليلتزم بها بنفسه، ويرسم الطريق لمن يأتي بعده، ويحدد الحدود لتناول كتاب
الله تعالى؛ وقد عرض الطبري منهجه بإيجاز، بعد أن بيَّن فضل محمد بالنبوة
والمعجزات، وفضل الله على هذه الأمة بحفظ كتابها ومعجزة نبيها، ثم بين
فضل العناية بكتاب الله، ثم قال: "ونحن في شرح تأويله، وبيان ما فيه من
معانٍ مُنشِئون كتابًا مستوعبًا، لكل ما بالنَّاس إليه الحاجة من علمه جامعًا،
ومن سائر الكتب غيره في ذلك كافيًا، ومخبرون في كل ذلك، بما انتهى إلينا
من اتفاق الحُجَّة فيما اتفقت عليه الأمة، واختلافها فيما اختلفت فيه منه،
ومبينو عِلَلَ كلِّ مذهب من مذاهبهم، وموضحو الصحيح لدينا من ذلك، بأوجز
ما أمكن من الإيجاز في ذلك، وأخصر ما أمكن من الاختصار فيه" ، ثم شرع
الطبري بتفصيل منهجه في أصول التفسير مع ذكر الأدلة الشرعية واللغوية،
وضرب الأمثلة العملية من القرآن الكريم والسنة وكلام العرب واللغة والشِّعر.
وتفسير الطبري ذو منهج خاص، يذكر فيه الآية أو الآيات من القرآن،
ثم يعقبها بذكر أشهر الأقوال التي أثرت عن الصحابة والتابعين
في تفسيرها، ثم يورد بعد ذلك رواياتٍ أخرى متفاوتة الدرجة في الثقة
والقوة في الآية كلِّها أو بعض أجزائها، بناءً على خلافٍ في القراءة،
أو اختلافٍ في التأويل، ثم يعقب كل ذلك بالترجيح بين الروايات، واختيار
أولاها بالتقدمة، وأحقها بالإيثار، ثم ينتقل إلى آية أخرى، فينهج نفس النهج
عارضًا ثم ناقدًا ثم مرجحًا؛ وهو إذ ينقد أو يرجح، يرد النقد أو الترجيح
إلى مقاييس تاريخية من حال رجال السند في القوة والضعف، أو إلى مقاييس
علمية وفنية: من الاحتكام إلى اللغة التي نزل فيها الكتاب، نصوصها وأقوال
شعرائها، ومن نقد القراءة وتوثيقها أو تضعيفها، ومن رجوع إلى ما تقرَّر
بين العلماء من أصول العقائد، أو أصول الأحكام أو غيرهما من ضروب
المعارف التي أحاط بها ابن جرير، وجمع فيها مادة لم تجتمع لكثير
من غيره من كبار علماء عصره" .
وبعد أن بين الطبري ذلك وضع قواعد التفسير، وأصول التأويل، وحذَّر
من التفسير بالرأي، والتلاعب في كلام الله تعالى بحسب الأهواء والأغراض،
وأورد الأحاديث الكثيرة بأسانيدها في تحريم ذلك، وتجنَّب التفسير بالرأي
المجرد، وقال: "إن ما كان من تأويل آي القرآن الذي لا يدرك علمه إلا بنص
بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بنصبه الدلالة عليه، فغير جائز
لأحد القيل فيه برأيه؛ لأن إصابته ليست إصابة موقن أو محق، وإنما هو
إصابة خارص وظانّ، والقائل في دين الله بالظن قائل على الله ما لم يعلم،
وقد حرَّم الله ذلك" .
ويلتزم الطبري بما اتفق عليه المسلمون في درجات التفسير؛ فيلجأ أولاً
إلى تفسير القرآن بالقرآن، ثم إلى تفسيره بالسُّنة البيانية وما ثبت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يتبع ذلك بالآثار الواردة عن الصحابة
رضوان الله عليهم، وعن التابعين.
منهج الطبري في التاريخ
يُعتَبَر الطبريُّ أبا التاريخ، وهو عمدة المؤرخين عند العرب والمسلمين،
وهو أول مؤرِّخ وصل إلينا كتابه العام والكامل في التاريخ، ويعتمد عليه كل
من كتب في التاريخ على الإطلاق، وكان ثقة في نقله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق