موسوعة المؤرخين (50)
الطبري .. العالم الموسوعي (الجزء الثالث)
تاريخ الأمم والملوك لابن جرير الطبري
وللطبري في التاريخ كتابان: الأول تاريخ الأمم والملوك: ويسمى أيضًا
التاريخ الكبير ، وذكره ياقوت الحموي باسم "تاريخ الرسل والأنبياء
والملوك والخلفاء" ، ويُعرَف بتاريخ الطبري، وبه اشتهر ولمع صيته،
وفرغ منه في (27 من ربيع الأول 303هـ) ، وقد وصل تاريخ الطبري
إلى قمة التأليف التاريخي عند العرب والمسلمين في القرون الثلاثة الأولي.
وتظهر أهمية الكتاب في كونه :
- أوّلَ كتاب في التاريخ العام، وأقدم مصدر كامل للتاريخ العربي واللغة
العربية منذ أوائل الزمان إلى أول القرن الرابع الهجري؛ وحافلاً بالنصوص
الأدبية وتراجم الشعراء والخطباء وغيرهم..
- جمعَ الكثير من أخبار العرب في الجاهلية وحفظها من الضياع،
وأرَّخ للقرون الأولي في الإسلام.
- ذَكرَ تاريخ الفرس، وتاريخ الرومان بدقة شديدة.
- مصدرًا لمن جاء بعده من المؤرِّخين، مثل مسكويه (421هـ)،
وابن الأثير (630هـ)، وابن خلدون (808هـ).
والكتاب الثاني: تاريخ الإسلام: وقد عرضه بناءً على منهج محدد،
تتلخص معالمه فيما يلي :
- نظام الحوليات؛ الترتيب الزمني للأحداث عامًا بعد عام.
- نقل الروايات؛ سواء كانت موافقة لرأيه أم لا، مع ذكر السند
موصولاً كما في الحديث.
- الاعتماد على المصادر التي صنَّفت قبله، وجمع الأخبار وضبط النصوص؛
فيذكر أحداث كل سنة في شكل أخبار، ويذكر للحادثة الواحدة رواياتٍ مختلفة.
- الاستطراد في ذكر الأسباب والتفصيلات المصاحبة، ووضع العناوين
للأحداث؛ وخاصة الأحداث المهمة، والتوسع في سيرة الخلفاء؛
بإعطائهم أولوية خاصة وأهمية متميزة.
- الإكثار من الوثائق التاريخية؛ لذا اعتبر تاريخه أوثق مصادر التاريخ
الإسلامي، وتسجيل النصوص الأدبية؛ كالشعر والخطابة
والرسائل والمحاورات ذات الصلة .
- الحياد والواقعية؛ لورعه وتقواه ودقته، والجرأة في العرض؛
حيث عرض حوادث لا تُرضي العباسيين، وهم الخلفاء في عصره .
منهج الطبري في الفقه
كانت شخصية الطبري الفقهية أقوى وأشهر وأرسخ من شخصيته كمفسِّر
أو مؤرِّخ، وقد عاش مع الفقه، ومارس الاجتهاد، وأفتى الناس والوزراء
والخلفاء، وبدأ حياته بتصنيف كتاب "اختلاف الفقهاء"، وظلَّ يكتب في
الفقه ويدرِّسه طيلة حياته، ولم يصنِّف التفسير إلا عندما قارب الستين .
ولعلَّ السبب في هذه الصورة الباهتة لشخصيته الفقهية فيما بعد، يرجع
إلى انقراض تلاميذه، وغياب مذهبه الفقهي، بسبب قلَّة أتباعه وخمولهم
في حمله ونشره، ولكنَّ ذلك لا يقلِّل من أهمية فقه الطبري واجتهاده وآرائه
وإمامته، حتى إنَّ العلاّمة أبا العباس بن سريج قال عنه: "محمد بن جرير
الطبري فقيه العالَم" ، والطبري حسب اصطلاح ابن عابدين: هو من طبقة
المجتهدين في الشرع، وهو مجتهد مستقل، استقل بوضع قواعد لنفسه
وأصول لاجتهاده، ليبني عليها أقواله وفقهه" ، كما ذكره الشيرازي
في "طبقات الفقهاء" وعدَّه في جملة المجتهدين المستقلين، ولم يعدَّه
من طبقات أصحاب المذهب الشافعي ، وقال عنه ابن خلكان: "وكان
من الأئمَّة المجتهدين، لم يقلِّد أحدًا، وكان أبو الفرج المُعَافي على مذهبه" .
ولمذهبه الفقهي قواعد محدَّدة للاستنباط، ومنهج معين للاستدلال؛ وقد حدَّد
الطبري منهجه وقواعده، ونصَّ على المصادر التشريعية التي يعتمد عليها،
ولكن كتب الطبري في أصول الفقه قد فُقِدت، ولم يصل إلينا منها شيء،
ولم نضع أيدينا على التحديد الصريح والكامل لأصول مذهبه ومنهجه
في الاستنباط، وقواعده في البيان والاستدلال ، ولكن يظهر لنا من كتبه
المطبوعة (التفسير والتاريخ وغيرها..) أن أصول الأحكام، ومصادر التشريع
عند الطبري هي: القرآن الكريم، السنة، الإجماع، القياس، اعتبار
مقاصد الشريعة بتحقيق مصالح الناس، العرف .
منهج الطبري في الحديث
ويتضح منهج الطبري في كتابه تهذيب الآثار؛ حيث رتَّبه ترتيبًا خاصًا بحسب
الأسانيد، وتناول كل حديث بتدقيق السند، وما في المتن من الفقه، وذكر
غريب الألفاظ، وغريب المعاني، وما يستنبط من الحديث من الأحكام
الشرعية، وما يثور حوله من اختلاف الفقهاء، مع إيراد حُجَجِهم وأدلَّتِهم،
ومناقشة الأدلة، وبيان القول الراجح، وبيان مذهبه في المسألة، وحُجَّته
فيما ذهب إليه .
دراسات عن الطبري
الطبري: د. أحمد محمد الحوفي.
الطبري: عبد الله بن عبد العزيز المصلح.
الإمام الطبري شيخ المفسرين، وعُمدة المؤرِّخين،
ومُقدَّم الفقهاء المحدثين: د. محمد الزحيلي.
موسوعة عباقرة الإسلام: د. رحاب خضر عكاوي.
نوابغ المسلمين: مصطفى وهبة.
وفاة الطبري
تُوُفِّي الطبري في يوم 26 من شهر شوال سنة 310 هـ، وعمره (86 سنة)
؛ فرحمه الله رحمةً واسعةً، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
الجمعة، 11 يونيو 2021
موسوعة المؤرخين (50)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق