كان النَّبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرَّجل
الشَّيء،
لم يقل: ما بال فلان يقول؟
ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟
وهذا مشهور عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث
كثيرة .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
كلُّ أمَّتي معافى إلا المجَاهرين، وإنَّ من
المجَاهرة:
أن يعمل الرَّجل باللَّيل عملًا، ثمَّ يصبح وقد
سَتَره الله عليه،
فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا. وقد بات
يَسْتُره ربُّه،
ويصبح يكشف سِتْر الله عنه
)
قال ابن الجوزي:
[ المجَاهرون: الذين يجاهرون بالفواحش، ويتحدَّثون
بما قد فعلوه منها سرًّا،
والنَّاس في عافية من
جهة الهمِّ مستورون، وهؤلاء مُفْتَضحون
]
قال العيني:
[ أنَّ ستْر الله مستلزم لستْر المؤمن على نفسه،
فمن قصد إظهار المعصية والمجَاهرة، فقد أغضب الله
تعالى فلم يَسْتُره،
ومن قصد التَّسَتُّر بها حياءً من ربِّه ومن النَّاس،
مَنَّ الله عليه بِسِتره إيَّاه ]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( من نفَّس عن مؤمن كُرْبة من كُرَب
الدُّنيا،
نفَّس
الله عنه كُرْبة من كُرَب الآخرة، ومن سَتَر على مسلم،
سَتَره الله في الدُّنيا والآخرة، والله في عون
العبد،
ما كان العبد في عون أخيه
)
قال المباركفوري:
[ من سَتَر مسلمًا، أي: بَدَنه أو عيبه بعدم الغيبة
له، والذَّبِّ عن معائبه،
وهذا بالنِّسبة إلى من ليس معروفًا بالفساد،
وإلَّا فيُستحب أن تُــرْفع قصَّته إلى الوالي، فإذا
رآه في معصية،
فينكرها بحسب القدرة، وإن عَجز، يرفعها إلى الحاكم
إذا لم يترتَّب عليه مفسدة ]
وعن أبي برزة الأسلمي، قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
:
( يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه،
لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عَورَاتهم،
فإنَّه من اتَّبع عَوراتهم يتَّبع الله عَوْرته،
ومن يتَّبع الله عَوْرته يفضحه في بيته
)
فاسْتُر إخوانك، فإنَّه لا طاقة لك بحرب الله، القادر
على كشف عيوبك،
وفضح ذنوبك، التي لا يعلمها النَّاس عنك،
وألْجِم لسانك عن الخوض في الأعراض، وتتبُّع
العَورات،
وإفساد صِيت إخوانك، وإساءة
سُمْعَتهم .
- وفي قصَّة ماعز بن مالك
الأسلمي،
عندما
جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترف على نفسه بالزِّنى،
وسأله أن يقيم عليه الحدَّ ليطهِّره، فأمر النَّبي
صلى الله عليه وسلم برجمه .
فإنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يسأله مع من
زنيت، وكذلك المرأة الغامديَّة ،
عندما أقرَّت على نفسها ، لم يسألها النَّبي صلى الله
عليه وسلم عن ذلك.
-
وفي إحدى روايات حديث ماعز، أنَّه جاء إلى أبي بكر
الصِّديق، فقال له :
إنَّ الآخر زنى -يريد
نفسه-
فقال
له أبو بكر: هل ذكرت هذا لأحد غيري؟
فقال: لا
فقال له أبو بكر: فتُب إلى الله، واسْتَتِر بسِتر
الله؛
فإنَّ الله يقبل التَّوبة عن
عباده.
فلم تُقْرِره نفسه، حتَّى أتى عمر بن الخطَّاب، فقال
له مثل ما قال لأبي بكر،
فقال له عمر مثل ما قال له أبو بكر.
فلم تُقْرِره نفسه حتَّى جاء إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فقال له:
إنَّ الآخر زنى
فقال سعيد: فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثلاث مرَّات، كلُّ ذلك يُعرض عنه رسول الله صلى الله
عليه وسلم،
حتَّى إذا أكثر عليه،
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال:
( أيشتكي، أم به جِنَّة ؟
فقالوا: يا رسول الله، والله إنَّه لصحيح،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبِكْر أم ثيِّب
؟
فقالوا: بل ثيِّب، يا رسول الله،
فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرُجِم
)
قال ابن عبد البر:
[ وفي هذا الحديث من الفقه: أنَّ السَّتْر أولى
بالمسلم على نفسه –
إذا وقَّع حدًّا من الحدود- من الاعتراف به عند
السُّلطان،
وذلك مع اعتقاد التَّوبة والنَّدم على الذَّنب، وتكون
نيَّته ومعتقده ألَّا يعود،
فهذا أولى به من الاعتراف، فإنَّ الله يقبل التَّوبة
عن عباده، ويحبُّ التَّــوَّابين ]
وفي رواية :
( أنَّ رجلًا اسمه هَزَّال، هو الذي أشار على ماعز أن
يأتي
النَّبي صلى الله عليه
وسلم فيخبره،
فقال له النَّبي صلى الله عليه وسلم يا
هَزَّال،
لو
سَتَرْته بردائك ، لكان خيرًا لك )
قال أبو الوليد الباجي:
[ وقوله صلى الله عليه وسلم لـهَزَّال
( يا هَزَّال، لو سَتَــرْته بردائك، لكان خيرًا لك
)
هَزَّال هذا هو: هَزَّال بن رئاب بن زيد بن كليب
الأسلمي. ويريد بقوله:
( لو سَتَــرْته بردائك، لكان خيرًا لك )
يريد: ممَّا أظهرته من إظهار أمره،
وإخبار النَّبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر به،
فكان ستْره بأن يأمره بالتَّوبة، وكتمان خطيئته،
وإنَّما ذكر فيه الرِّداء على وجه المبالغة، بمعنى
أنَّه لو لم تجد السَّبيل
إلى
سِتْره إلَّا بأن تَسْتُره بردائك ممَّن يشهد عليه، لكان أفضل
ممَّا أتاه،
وتسبَّب إلى إقامة
الحدِّ عليه، والله أعلم وأحكم ]
وقال ابن الأثير:
[ ومنه حديث ماعز
( ألَا سَتَرْته بثوبك يا هَزَّال )
إنما قال ذلك حبًّا لإخفاء الفضيحة، وكراهيةً
لإشاعتها ]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق