أول آداب الاستماع هو الانصات ومتابعة المتحدث وعدم مقاطعته , فهذا من قبيل
الاحترام والتقدير وهو وسيلة فعالة فى كسب القلوب وترك انطباعاً جيداً
واثراً حسناً , فإن المتحدث يشعر بالإيناس والطمأنينة إذا بدا على مستمعه
الإنصات والرغبة فى الاستماع , فكم من شخصية ترجع جاذبيتها الى قدرتها على
الإنصات بتركيز وإقبال , وظهورها بمظهر المهتم بما يقال , وفى المقابل كم
من شخصية لا يحب الناس مجالستها ويغتمون لحضورها ليس إلا أن صاحبها لا
ينصت لهم فيشعرون بأنه لا يقدر حديثهم ولا يعبأ بكلامهم , والإنسان بطبعه
يهتم بنفسه وبرغباته أكثر من أي شيء أخر , وكما قيل إذا أردت أن تكون مهماً
فكن مهتماً .
ولنا فى رسولنا صلى الله عليه وسلم أسوة , فما قاطع متحدثاً قط حتى مع
المخالفين له فى الرأي والاعتقاد , كان يسمع وبعد أن ينتهوا , يرد عليه بما
يناسبهم .
وكان العلماء يقولون: أول أبواب العلم الاستماع . ومن الحقائق المتعارف
عليها فى علم النفس , أن الإنسان يفكر بأضعاف السرعة التى نتحدث بها , لذلك
فإن العقول تكون فى حالة سباق مع الصمت , ومن ثم فالمستمع أقوى من المتحدث
, وقد وجه القرآن الى المسلمين الأمر بالإنصات أمام القرآن , للتفكر
والتدبر ونيل الرحمة والهداية, قال تعالى " وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" {الأعراف :204}.
ومن الجدير بالذكر أن الإنصات ليس بالشيء الهين , فالإنسان مجبول على
الكلام ومدفوع إلى الرغبة فى الصدارة والتميز , فتجد الكثيرين لا يصبرون
أمام هذا الدافع فيحاولون التحدث بدلاً من الاستماع , والعاقل هو الذى
يتذكر اثار الإنصات فيكبت جماح نفسه , ومن هنا كانت التأكيد على أهمية
الصبر .
* تجنب الاستماع إلى الغيبة , الكلام القبيح :-
كما حرم الشرع أن يغتاب المسلم أخاه , حرم كذلك أن يستمع إلى غيبه أخيه دون
أن ينكر على قائلها , قال تعالى : " وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ
مُعْرِضُونَ " { المؤمنون : 3 } , وقال تعالى : " إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا " {
الاسراء : 36 } , وعن أبى الدرداء – رضى الله عنه – أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : " من رد عن عرض أخيه , رد الله عن وجهه النار يوم القيامه "
[1] .
فمن تمام المرؤة وحسن الخلق , أن يذب المرء عن عرض أخيه وأن يدفع عنه ما
يسؤه فى غيبوبته , لأن عدم الذب فيه إقرار , والمقر بالشيء كمن فعله أو
شارك فيه .
وسمعك صن عـن سماع القبيح --- كصون اللسان عن النطق به
فـإنـك عنـد سماع القبيح --- شـريك لقائله فـانــتِه
* البشاشة والوجه الطلق :-
من آداب الاستماع تحلى المستمع بالبشاشة والوجه الطلق , وتجنب العبوس
والكأبة , فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تحقرن من المعروف
شيئاً , ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق " [2] , وقال صلى الله عليه وسلم : "
تبسمك فى وجه أخيك صدقة وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة الحديث [3] .
الابتسامة تبث الطمأنينة والارتياح, تعمل على توسيع دائرة العلاقات
الاجتماعية , ولها تأثير فعال فى امتصاص الغضب وكسر الحدة والعنف , لذلك
قال الصينيون إذا لم تستطع أن تبتسم فلا تفتح دكاناً .
* حفظ السر : -
السر عهد يعهد به المتحدث إلى المخاطب , والله أمر بالوفاء بالعهود , قال
تعالى : " وأوفوا العهد إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا " { الاسراء : 34
} , وقال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ
فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا
وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " { النور :
19 } .
إفشاء الإسرار من أخطر الوسائل التى تثير الفتن وتفضى الى البغض لأنه ما
سمى سراً إلا لخطروة انتشاره وذيعه , والأنسان بطبعه يميل إلى الفضفضة
بالهموم والملمات لعله يجد من يريح عنه ويطمئنه , لذلك جعل الإسلام السر
أمانة . ومن هنا تجد الأمين على الأسرار يقبل عليه الناس ويفتحون له قلوبهم
ثقة فيه .
قال أنس بن مالك أسر إلى النبى صلى الله عليه وسلم سراً فما أخبرت به أحداً
بعده ولقد سألتنى أم سليم فما أخبرتها به [4] . وعن جابر بن عبدالله – رضى
الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا حدث الرجل
بالحديث ثم التفت فهى أمانه " [5] .
وقيل : كتمان الاسرار يدل على جواهر الرجال , وكما أنه لا خير فى آنيه لانمسك ما فيها , فكذلك لا خير فى إنسان لا يمسك سره .
|
الثلاثاء، 1 أبريل 2014
مهارات الإصغاء وآدابه
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق