عفة يوسف عليه السلام
فقد أخبر الله سبحانه عن عشق امرأة العزيز ليوسف، وما
راودته وكادته به،
وأخبر عن الحال التي صار إليها يوسف بصبره وعفته
وتقواه،
مع أن الذي ابتلي به أمر لا يصبر عليه إلا من صبره
الله،
فإن مواقعة الفعل بحسب قوة الداعي وزوال المانع،
وكان الداعي هاهنا في غاية القوة.
وذلك من وجوه:
أحدها: ما ركَّبه الله سبحانه في طبع الرجل من ميله إلى
المرأة.
الثاني: أنَّ يوسف عليه السلام كان شابًّا، وشهوة الشباب
وحدَّته أقوى.
الثالث: أنَّه كان عزبًا، ليس له زوجة ولا سرية تكسر شدة
الشهوة.
الرابع: أنَّه كان في بلاد غربة، يتأتَّى للغريب فيها من
قضاء الوطر
ما لا يتأتى له في وطنه وبين أهله
ومعارفه.
الخامس: أنَّ المرأة كانت ذات منصب وجمال،
بحيث إنَّ كلَّ واحد من هذين الأمرين يدعو إلى
مواقعتها.
السادس: أنها غير ممتنعة ولا آبية.
السابع: أنها طلبت وأرادت وبذلت الجهد، فكفته مؤنة الطلب،
وذلَّ الرغبة إليها،
بل كانت هي الراغبة الذليلة، وهو العزيز المرغوب
إليه.
الثامن: أنَّه في دارها، وتحت سلطانها وقهرها،
بحيث يخشى إن لم يطاوعها من أذاها له، فاجتمع داعي
الرغبة والرهبة.
التاسع: أنَّه لا يخشى أن تنمَّ عليه هي ولا أحد من
جهتها،
فإنها
هي الطالبة الراغبة، وقد غلَّقت الأبواب، وغيَّبت
الرقباء.
العاشر: أنَّه كان في الظاهر مملوكًا لها في الدار، بحيث
يدخل ويخرج
ويحضر
معها، ولا ينكر عليه، وكان الأنس سابقًا على الطلب،
وهو من أقوى الدواعي.
الحادي عشر: أنها استعانت عليه بأئمة المكر والاحتيال، فأرته
إياهنَّ،
وشكت حالها إليهن؛ لتستعين بهنَّ
عليه.
الثاني عشر: أنها توعدته بالسجن والصغار، وهذا نوع
إكراه.
الثالث عشر: أنَّ الزوج لم يظهر منه الغيرة والنخوة ما يفرق به
بينهما،
ويبعد كلًّا منهما عن صاحبه، بل كان غاية ما قابلها
به أن قال ليوسف:
{ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا }
وللمرأة:
{ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ
الْخَاطِئِينَ }
وشدة الغيرة للرجل من أقوى الموانع، وهنا لم يظهر منه
غيرة.
ومع هذه الدواعي كلها فآثر مرضاة الله وخوفه،
وحمله حبه لله على أن اختار السجن على
الزنى:
{ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا
يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ }
وعلم أنه لا يطيق صرف ذلك عن نفسه،
وأنَّ ربه تعالى إن لم يعصمه ويصرف عنه كيدهن؛ صبا
إليهنَّ بطبعه،
وكان من الجاهلين، وهذا من كمال معرفته بربه وبنفسه
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق