قَسَّم
الماوردي النَّزَاهَة إلى قسمين، فقال:
النَّزاهة نوعان: أحدهما: النَّزاهة عن المطامع
الدَّنيَّة.
والثَّاني: النَّزاهة عن مواقف الرِّيبة.
فأمَّا المطامع الدَّنيَّة؛ فلأنَّ الطَّمَع ذلٌّ،
والدَّناءة لُؤْم،
وهما أدفع شيء للمروءة وقال بعض
الشُّعراء:
لا تخضعنَّ لمخلوق على طمع
فإنَّ ذلك نقص منك في الدِّين
واسترزق اللَّه ممَّا في خزائنه
فإنَّما هو بين الكــــاف
والنُّون
والباعث على ذلك شيئان: الشَّرَه، وقلَّة الأنَفَة،
فلا يقنع بما أُوتي وإن كان كثيرًا، لأجل شَرَهه، ولا
يستنكف ممَّا منع،
وإن كان حقيرًا، لقلَّة أنَفَته. وهذه حال من لا يرضى
لنفسه قدرًا،
ويرى المال أعظم خطرًا، فيرى بذل أهون الأمرين
لأجلِّهما مغنمًا،
وليس لمن كان المال عنده أجل، ونفسه عليه أقل، إصغاءً
لتأنيبٍ،
ولا قبول لتأديب. وحَسْم هذه المطامع شيئان: اليأس،
والقناعة...
وأمَّا مواقف الرِّيبة: فهي التَّردُّد بين منزلتي
حَمْدٍ وذمٍّ،
والوقوف بين حالتي سلامةٍ وسقمٍ، فتتوجَّه إليه لائمة
المتوهِّمين،
ويناله ذِلَّة المريبين، وكفى بصاحبها موقفًا، إن
صحَّ افتُضح،
وإن لم يصح امتُهن. وقد قال النَّبيَّ صلى الله عليه
وسلم:
( دَعْ ما يرِيبك إلى ما لا يريبك
)
والدَّاعي إلى هذه الحال شيئان: الاسترسال، وحسن
الظَّنِّ.
والمانع منهما شيئان: الحياء والحذر. وربَّما انتفت
الرِّيبة بحسن الثِّقة،
وارتفعت التُّهمة بطول الخبرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق