لقد وُلد صلى الله عليه وسلم يتيمًا لما خرج إلى الدنيا كان أبوه قد رحل
عنها وعندما كان طفلاً في السادسة أخذته أمه لزيارة أخواله وقبر أبيه
بني النجار في المدينة وفي عودتهم من السفر فاجأ أمه مرضٌ فماتت
عند الغروب في (الأبواء) بين مكة والمدينة . ويا سبحان الله! تُرى كيف
كان أثر موت الأم على الطفل وفي أرض الغربة؟
ولم يكد يمضي في كنف جده عامين حتى توفي جده أيضًا وانتقل إلى كفالة
عمه أبي طالب تلك البدايات الحزينة جعلت من نفس محمد
صلى الله عليه وسلم بحرًا من الرحمة والرقة
{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }
[التوبة: 128].
وكان صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه وأتباعه واحدًا واحدًا حتى
ولو كان في حرب كبرى
تقول عنه السيدة عائشة:
( ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده
ولا امرأة ولا خادمًا )
وحكى لنا قصة رجل دخل الجنة لأنه سقى كلبًا عطشانًا، فغفر الله له.
ولأن الرفق بالبهائم لم يكن مطروحًا كقيمة وخُلُق تعجب الصحابة وقالوا:
يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرًا؟ فقال صلى الله عليه وسلم:
( في كل ذات كبد رطبة أجر )
(يعني في كل كائن حي).
ثم حكى قصة امرأة دخلت النار لأنها حبست هرة لا أطعمتها ولا تركتها
تأكل من خشاش الأرض. كان إذا دخل في الصلاة وهو ينوي الإطالة
يقصر فيها إن سمع بكاء الطفل الصغير لأنه يعلم أثر ذلك البكاء
في نفس أمه .
وبكى صلى الله عليه وسلم لدى موت طفله الصغير والأخير إبراهيم
حتى تعجب عبد الرحمن بن عوف فقال:
( وأنت يا رسول الله؟!
فقال صلى الله عليه وسلم:"يا ابن عوف إنها رحمة )
ولقد كان النبي رحيمًا رقيقًا حتى في أشد يوم مر به صلى الله عليه وسلم
وهو يوم الطائف بعث الله له ملك الجبال فإذا أمره أطبق عليهم الجبال
التي تحيط بهم حتى في أشد لحظة قال:
( لا عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله عز وجل )
بل ويحكي ابن مسعود رضي الله عنه أنهم كانوا في سفر مع النبي فأخذوا
طائرين صغيرين من عش فجاءت الأم تطير وترفرف بجناحيها
عند رسول الله فقال:
( من فجع هذه بولدها؟ ردوا إليها ولدها ).
ورآهم أحرقوا قرية نمل فنهاهم وقال:
( لا ينبغي أن يعذب بالنار )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق