أصل أعمال سلامة القلوب
قلب
الإنسان له أربعة أبواب، وكلها تصب في القلب
وهي:
اللسان
..
والأذن
..
والعين
..
والدماغ..
فما
يتكلم به اللسان يتأثر به القلب، فإذا تكلم بالإيمان، وتلاوة
القرآن،
تأثر
بذلك قلبه، وزاد إيمانه.
والأذن
باب إلى القلب، فإذا سمع كلمات الإيمان والقرآن تأثر بها قلبه،
وزاد
إيمانه.
والعين
باب إلى القلب، فالنظر إلى المخلوقات، وعظيم صنع الباري
يؤثر
في القلب، وتعلم الإيمان
بالنظر للكاملين في الإيمان، فكلما نظروا إلى
المخلوق
زاد إيمانهم بالخالق سبحانه.
أما
ناقص الإيمان فينظر إلى المخلوق ويغرق فيه، فينقص إيمانه،
لأنه
اشتغل به ولم يتعداه إلى خالقه:
{ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي
الْآيَاتُ
وَالنُّذُرُ
عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ }
[يونس:
101].
وكلما
تفكر الدماغ في عظمة الله، وعظيم إحسانه، تأثر بذلك
القلب،
وزاد
إيمانه.
القلب السليم هو ما سلم
من ستة أدواء:
فهو
سليم من الشرك ..
سليم
من الجهل ..
سليم
من الكبر ..
سليم
من الغفلة ..
سليم
من حب الدنيا ..
سليم
من سيئ الأخلاق.
فهو
قلب طاهر زكي، مملوء بالإيمان والتوحيد والعلم، والتواضع لربه،
ولزوم
ذكره، يحب الله والدار الآخرة، متجمل بمكارم
الأخلاق.
فهذا
القلب السليم إذا نظر الله إليه، - رضي الله عنه - وأحبه
واجتباه،
وأعانه
على كل خير، ومنع عنه كل سوء، وذلك فضل الله
يؤتيه
من
يشاء:
{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا
فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ
الْمُحْسِنِينَ }
[العنكبوت:
69].
والقلب
السليم:
هو
الذي سلم من الغل والحقد، والحسد والشح، وسلم من كل آفة تبعده
عن
الله، وسلم من كل شبهة تعارض خبره، وسلم من كل شهوة تعارض
أمره،
وسلم من كل إرادة تزاحم مراده، وسلم من كل قاطع يقطعه عن
الله.
فهذا
القلب السليم في جنة معجلة في الدنيا، وفي جنة في البرزخ، وفي
جنة
يوم المعاد، حيث كمال النعمة، وكمال النعيم، ورؤية المنعم جل
جلاله.
ولا تتم سلامته مطلقًا
حتى يسلم من خمسة أشياء:
من
شرك يناقض التوحيد ..
ومن
بدعة تخالف السنة ..
ومن
شهوة تخالف الأمر ..
ومن
غفلة تناقض الذكر ..
ومن
هوى يناقض التجريد.
وهذه
الخمسة حجب عن الله، ولهذا اشتدت حاجة العبد
بل ضرورته إلى
أن
يسأل الله أن يهديه الصراط المستقيم كل يوم، بل في كل صلاة،
بل
في كل ركعة.
والقلب
يتعلق به أحكام من جهة خلقه وشكله .. ومن جهة الوارد عليه من
الله،
ومن النفس، والشيطان .. ومن جهة المطلوب منه من العبادة
وطاعة
الله ورسوله.
خير القلوب ما كان
داعيًا للخير ضابطًا له،
وليس
كالقلب القاسي الذي لا يقبله، فهذا قلب حجري،
ولا
كالمائع الأخرق الذي يقبل، ولكن لا يحفظ ولا
يضبط.
والفرق بين سلامة القلب،
والبله والتغفل:
أن
سلامة القلب تكون من عدم إرادة الشر بعد
معرفته
فيسلم
قلبه من إرادته وقصده لا من معرفته والعلم به
وهذا
بخلاف البله والغفلة .. فإنها جهل وقلة معرفة ..
وهذا لا يحمد
إذ هو نقص. فالكمال أن
يكون القلب عارفًا بالخير، مريدًا له، عارفًا
بالشر،
سليمًا من إرادته.
وأصل أعمال القلوب
المأمور بها:
الإيمان
.. والإحسان .. والتقوى .. والتوكل .. والخوف .. والرجاء
.
والإنابة
.. والتسليم ونحوها. وأصل ذلك كله الصدق، فكل عمل صالح
ظاهر
وباطن فمنشؤه الصدق،
وأضداد ذلك من أعمال
القلوب المنهي عنها هي:
الرياء
.. والعجب .. والكبر .. والفخر .. والخيلاء .. والبطر ..
والأشر
والعجز
.. والكسل .. والجبن، وغيرها. وأصل ذلك كله الكذب، فكل عمل
فاسد
ظاهر وباطن فمنشؤه الكذب. والله عزَّ وجلَّ يعاقب الكذاب، بأن
يقعده
ويثبطه
عن مصالحه ومنافعه، ويثيب الصادق، بأن يوفقه للقيام بمصالح
دينه
ودنياه وآخرته. فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق،
ولا
استجلبت مضار الدنيا والآخرة ومفاسدهما بمثل الكذب. ولهذا رغب
الله
عباده المؤمنين بالصدق، وأمرهم بلزوم أهل الصدق في القول والعمل
كما
قال سبحانه:
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ
}
[التوبة:
119].
ولهذا
كان الصدق أساس البر، والكذب أساس
الفجور،
كما قال النبي - صلى
الله عليه وسلم -:
(
إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ
يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ
لَيَصْدُقُ
حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقاً. وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى
الْفُجُورِ، وَإِنَّ
الْفُجُورَ
يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ، حَتَّى
يُكْتَبَ
عِنْدَ اللهِ كَذَّاباً
)
متفق عليه
.
وأول
ما يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده، ثم يسري إلى
الجوارح
فيفسد عليها أعمالها، كما أفسد على اللسان
أقواله.
فيعم
الكذب أقواله، وأعماله، وأحواله. فيستحكم عليه الفساد، ويترامى
داؤه
إلى الهلكة، إن لم يتداركه الله بدواء الصدق الذي يقلع تلك
المادة
من أصلها:
{
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ
لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً
إِنَّكَ أَنْتَ
الْوَهَّابُ }
[آل
عمران: 8].
موسوعة
فقه القلوب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق