قال
تعالي :
{
ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ
ظَالِمُونَ }
[
البقرة : 51 ]
إن
أشدُّ أنواع الظُلْمِ أن تعبد غير الله ، أشد أنواع الظلم أن
تشرك بالله ،
أشد أنواع الظلم أن تعبد
إلهاً صنعته بيدك ،
وهذا
ما تجده في كثير من البلاد إلى الآن .
تدخل
إلى معبد في الهند تجد صنماً ارتفاعه ثلاثون متراً
وأمامه
أنواع منوَّعة من الفواكه ،
تسأل : لمن هذه الفواكه
؟
يجيبونك
: هو يأكلها في الليل ،
والحقيقة
أن الكُهَّان يأكلونها في الليل ، هذا تراه الآن في عصر النور
والحضارة
كما يدَّعون .
حينما يؤمن الإنسان
بالله يكون قد احترم نفسه ،
الإنسان
حينما يكون عاقلاً يوحِّد ، يكون قد عرف قيمته كإنسان ،
يكون
قد كرَّم نفسه
قال
تعالي :
{
ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ }
[
البقرة : 52 ]
ماذا فعل هؤلاء
؟
فعلوا أشدَّ أنواع
الذنوب ، أشركوا بالله ، عبدوا عجلاً من دون الله
،
صنعوه بأيديهم وعبدوه من
دون الله ومع ذلك باب التوبة مفتوحٌ
على
مِصراعيه ، تصوَّر لو لم يكن هناك توبة ليئس الإنسان من أقل ذنب
،
لو ارتكب الإنسان ذنباً
بسيطاً ولا توجد توبة لسمح لنفسه أن يرتكب ذنباً أكبر
،
وهكذا إلى أن يفعل كل
الذنوب والآثام ، وينتهي إلى النار ،
لكنَّ رحمة الله
كبيرة
قال
تعالي :
{
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ
أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ
فَتُوبُوا
إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ
لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ
فَتَابَ
عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }
[
البقرة : 54 ]
أي أن الله أمر الذين لم
يعبدوا العجل أن يقتلوا من عبد العجل جزاء ارتكابهم
أكبر
ذنب في الدين ، وهو أن تُشرك ، لكن الله عزَّ وجل رَحِمَ
أمَّة
محمِّد صلى الله عليه وسلَّم فجعل توبة المؤمنين لا تقتضي هذا
القتل ،
يكفي
أن تقول : يا رب لقد تبت إليك ،
يقول
لك : عبدي وأنا قد قبلت ،
هذه
رحمةٌ كبيرة ، ولكن بني إسرائيل كُلِّفوا أن يقتلوا أنفسهم
،
أن يقتل بعضهم بعضاً ،
أن يقتل الذين لم يعبدوا العجل الذين عبدوا العجل
.
قال
تعالي :
{
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى
اللَّهَ جَهْرَةً
فَأَخَذَتْكُمُ
الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ }
[
البقرة : 55 ]
قال
المفسِّرون :
[
هؤلاء هم السبعون الذين اختارهم موسى معه في المناجاة ،
حينما
رأوا بعض المعجزات طلبوا من موسى عليه السلام أن يروا الله جهرةً
،
والشيء الثابت هو أن
الله سبحانه وتعالى هذه سُنَنَه لا تدركه الأبصار
في
الدنيا ، في الدنيا لا يستطيع الإنسان أن يرى الله جهرةً ،
ما
رآه لا رسولٌ ، ولا نبي ، ولا صدِّيقٌ ، ولا ولي
،
لأن طاقة الإنسان لا
تحتمل رؤية الله عزَّ وجل ]
يروي بعض المفسِّرين :
[
أنَّهم صعقوا ، ولكن الله امتنَّ عليهم أنه أحياهم من جديد بعد
أن صعقوا
ليتابعوا مسيرتهم مع
سيدنا موسى . ]
قال
تعالي :
{
ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ }
[
البقرة : 56 ]
يُروى
أن رجلاً سيق إلى سيدنا عمر متلبّساً بسرقة فقال
:
[ والله يا أمير
المؤمنين إنها أول مرَّةٍ أفعلها في حياتي ،
قال له : كذبت إن الله
لا يفضح من أول مرَّة
فكانت
المرَّة الثامنة ، فالله عزَّ وجل يعطي مهلة ، هناك خطأ
،
هناك معصية ، هناك تقصير
يعطي مهلة إلى أن يُصِر على ذنبه .]
قال
تعالي :
{
وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ }
[
البقرة : 57 ]
من
النِعَم التي امتنَّ الله بها على بني إسرائيل شمس الصحراء لا
تُحتمل ،
كانت
تسير معهم غيمة أينما ساروا ،
يقال أحياناً
:
"إذا أحبَّ الله قوماً
أمطرهم ليلاً وأطلع عليهم الشمس نهاراً "
،
تأتي أحياناً نسمات
لطيفة في الصيف تلغي مكيِّفات ثمنها ألف
مليون
يقول : كم متراً غرفتك ؟
أنت تحسبها ، أربعة بثلاثة باثنين ونصف ،
يقول
لك : إذاً تحتاج لاثنين طن ليتم التكييف الجيد ، ثمن الطن مئة
ألف
وهذه الغرفة لا يتم
تكيفها بطن واحد ،
تأتي
نسمات لطيفة من عند الله عزَّ وجل تلغي عمل المُكَيِّفات كلها
،
أحياناً
نستورد أعلافاً بألوف الملايين ،
موسم
مطير واحد يغني عن كل هذا الاستيراد ،
قد نستورد بألوف
الملايين قمحاً لنأكله ،
موسم مطير واحد يُغني عن
كل هذا الاستيراد ،
فالله إذا أعطى أدهش ،
وهو على كل شيء قدير .
قال
تعالي :
{
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ
خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ
بِقُوَّةٍ
وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
}
[
البقرة : 63 ]
يتابع الله جلَّ جلاله
الحديث عن بني إسرائيل ، وقد بيَّنت لكم من
قبل
أن كل الأمراض التي وقع
فيها بنو إسرائيل قد تزل قدم المسلمين
فيقعوا
في مثلها ، فلذلك من الأسلوب الحكيم أن تُعْرَض
علينا
أمراض الذين من قبلنا كي
نتعظ بغيرنا فلا نقع فيما وقعوا فيه ،
كل
امتنانٍ من الله على بني إسرائيل في عهد موسى هو امتنانٌ
على
ذريَّتهم في عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم ،
لأن
الكاف للخطاب .
تفسير
الدكتور محمد راتب النابلسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق