يلجئ
الإنسان في بعض الأحيان على الحلف بغير الله، أو ربما يقترف
ذنباً
كقتل النفس، أو يظاهر زوجته، أو غيرها من الأعمال المنبوذة
شرعاً،
فإن أشرع الإنسان على مثل هذا القول، وجب أن
يتوب
إلى لله عز وجل مخرجاً
الكفارة،
فما هي الكفارة؟ وما
مقدارها؟
الكفارة
لغتاً كلمة مشتقة من الكفر والستر، وسميت بهذا الاسم لأنها
تغطي
الإثم وتخفيه، أي يمحو ما اقترفه ويزيله بعيداً عن أعين الناس،
وسمت
بالكافرات لأنها تستر الذنوب وتكفرها أي تمحوها مثل كفارة
الإيمان
أو الظهار أو القتل الخطأ،
وفي المجمل
نستنتج أن الكفارة تنطوي على
أمرين:
أما الأول
فهو تغطية المعصية وسترها وإخفاءها عن أعين
الناس،
وأما
الثاني وهي ما كان وجوبها على تخيير العبد
مطلقاً،
وأما
الكفارة شرعاً:
هي
ما وجب على المرتكب جبرا لما وقع منه وزجراً عن مثله، أو كما
عرفها
بعض السلف الصالح بأنها ما يخرجه الحانث عن يمنه الذي حلفه
من
إطعام طعام أو كسوة أو عتق تكفيراً لما أحنثه من القول،
والحنث
هو إخلاف اليمين بعبارات
تخالف مضمون الحقيقة.
والكفارة أنواع كثيرة
:
ومنها
كفارة اليمين، كما أشار الله سبحانه وتعالى إليها في محكم
كتابه
{ لاَ
يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن
يُؤَاخِذُكُم
بِمَا عَقَّدتُّمُ
الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ
أَوْسَطِ
مَا تُطْعِمُونَ
أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن
لَّمْ يَجِدْ
فَصِيَامُ
ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا
حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ
}
وكفارة
اليمين هي التعمد وتوكيد في ذكر اسم الله سبحانه
وتعالى
أو احد
صفاته،
وقد أشارت الآية الكريمة
إلى ثلاثة أمور ينبغي
أن يقوم بها العبد إذا
حلف يمين:
وهي إطعام
عشرة مساكين أو كساهم أو تحرير رقبة وان لم يستطيع
فصيام
ثلاثة أيام ، والحالف مخيراً في احد ما سلف ذكره، فأن كان
لا
يستطيع فعل أي منها، صام ثلاثة أيام، وقد اختلف الأئمة من حيث
وجوب
التتابع بالصوم فقال أبو حنيفة النُعمان "تصح" وقال مالك
"لا
يصح التتابع" وأما الشافعي فقد اجمع على رأي وهو "انه لا يجب
التتابع
"، وأما عتق رقبة، فقد أشار علماء المسلمون إلا انه لا يجوز
تحرير
إلا رقبة سليمة خالية من العيوب أو شركة أو عقد وعتق وسليمة
الأطراف،
وأما إطعام مساكين، فقد اجمعوا على أن يطعم عشرة مساكين
غير
منقوصين، أو يكسي عشرة مساكين، وإن كانت الكفارة طعاماً،
فيطعمهم
صنفاً من شعير أو تمر أو احد الأصناف، والتي تختلف من بلد
إسلامية
إلى أخرى في مقدارها، وفقاً لما أشارت إليه
السنة
النبوية
الشريفة.
كفارة الحلف
على المصحف
بسم الله،
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول
الله،
وعلى آله وصحبه ومن
اهتدى بهداه. أما بعد،
قبل التكلم
عن كفارة الحلف على المصحف لا بد من توطئةٍ للموضوع
تُبَيِّن
الحلف أو اليمين، وأنواع كُلِّ يمينٍ منها، وكفارة كل نوع، إذ أن
الحلف
على المصحف قد يندرج تحت أي نوع منها من دون استثناء.
ولا
بد أيضًا من بيان صور الحلف على المصحف، ومشروعية كل
صورة،
فالحلف
على المصحف قد يكون بوضع اليد على مصحف عند
الحلف،
وقد يكون من دون
ذلك.
فأنواع اليمين
هي:
اليمين
المنعقدة.
اليمين
اللغو.
اليمين
الكاذبة.
اليمين
الغموس.
فاليمين
المنعقدة:
هي اليمين التي تكون على
أمرٍ مستقبلي يعزم المرء على فعله،
وهي
التي تنعقد في قلب ذلك
الشخص الذي تلفظ بها؛ أي أنه يكون قاصدًا
ومدركًا
لتلك اليمين التي تلفظ بها، ويجب على من يؤدي هذه اليمين
الوفاء
بها، وإن أخلف فعليه الكفارة.
أما يمين
اللغو:
فهي
اليمين التي تجري على لسان المرء من دون أن يقصد التلفظ بها،
كأن
يقول في سياق حديثه مع شخص آخر: لا والله، أو بلى والله، وهذه
اليمين
لا كفارة فيها، ولا يؤاخذ بها المسلم.
وأمّا
اليمين الكاذبة:
فهي اليمين التي تكون
على أمرٍ مضى، حيث يحلف المرء على أنّه لم
يفعل
شيئًا معينًا، ولكن الحقيقة على خلاف ذلك. والحالف يؤاخذ بها،
ويأثم
من ورائها، ولكن لا كفارة لها، وتلزمه فقط
التوبة.
وأمّا
اليمين الغموس:
فهي
صورة من صور اليمين الكاذبة، وهي التي يؤديها المسلم على أمرٍ
مضى؛
ليقتطع بها مال أخيه المسلم بغير حق. ولا شك أن هذه اليمين من
أشد
أنواع اليمين الكاذبة إثمًا.
والحلف على
المصحف إمّا أن يكون من اليمين
المنعقدة،
أو
من اليمين اللغو، أو من اليمين الكاذبة، أو من اليمين
الغموس.
فإذا كان
هذا الحلف يمينًا منعقدة، كأن يحلف على المصحف لأداء أمرٍ
مستقبلي،
فعليه أن ينفذ هذه اليمين، وإن أخلف فيها فعليه كفارة اليمين
المعروفة،
وهي: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، وهو
بالخيار
بين هذه الأمور، فإن لم يقدر على أيٍّ منها، فعليه أن
يصوم
ثلاثة
أيام.
وقد يكون
الحلف على المصحف من اليمين اللغو، كأن يقول لا
والمصحف
الشريف، أو بلى والمصحف الشريف من دون قصدٍ، فهذه
اليمين
لا يؤاخذ بها، وليس عليه كفارة.
وقد يكون
الحلف على المصحف يمينًا كاذبةً، كأن يحلف على المصحف
على
أمرٍ مضى أنه كان كذا وكذا، وهو في الحقيقة ليس كذلك. وهذه
اليمين
يؤاخذ بها المرء، ويأثم من ورائها، ولكن لا كفارة لها، ويلزمه
فقط
التوبة النصوحة لله عز وجل.
وقد يكون
الحلف على المصحف يمينًا غموسًا، فهذه أشد صور اليمين
الكاذبة
إثمًا، ولا كفارة لها، ويلزم صاحبها التوبة النصوحة لله عز
وجل.
وينبغي
التنبيه إلى أن الحلف بصفة من صفات الله عز وجل جائز،
والقرآن
الكريم هو كلام الله، وكلام الله: هو صفة من صفاته. فالحلف على
القرآن
جائز، أما الحلف على المصحف فالعلماء يقولون أن الأولى تجنبه؛
لأن
في المصحف أمورًا ليست من القرآن كالورق والحبر، ولذلك كَرِهَ
العلماء
الحلف على المصحف. فالفرق بين القرآن والمصحف، أن
المصحف:
هو الكتاب الذي كُتِب القرآن في صُحُفِه وجُمِع بين
دَفَّتَيْه،
أما القرآن فهو اللفظ
والكلام الذي تكلم به الله عز وجل، وأنزله على
قلب
سيدنا محمد صلى الله
عليه وسلم.
وعلى كل
حال، فالأمر يرجع إلى قصد الحالف، فالغالب أن من يريد
الحلف
على المصحف لا يكون بهذا الحلف قاصدًا للورق والحبر، وإنما
يكون
قاصدًا لكلام الله المُدَوَّن في هذا المصحف، ولكن الأولى تجنب
هذا
الحلف.
ومما تجدر الإشارة إليه، أن الحلف على المصحف عن طريق
وضع
اليد عليه هو من مُحْدَثَات الأمور، وكل مُحْدَثَةٍ بدعة، فلم
يُنْقَل لنا
عن
الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أَقَرَّ هذا الحلف، أو أنه قام
به، فهذا
الحلف
ليس له أصلٌ في الدين، ولا يجوز للمسلم أن يقوم به، فإذا حلف
المسلم
على المصحف بوضع يده عليه، فعليه التوبة من تلك البدعة التي
وقع
فيها، إن كان يعلم أن ما فعله بدعة، وحكم اليمين التي أداها
يتوقف
على
نوعها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق