إن
قلب المرء هو الذي يتحكم في أخلاقه ويكظم انفعالاته ويضبط
سلوكه
ويهذِّب
الشارد من طباعه ، وهل تسكن أخلاق الأمانة والوفاء والصبر
والحلم
والرحمة والعفو والصدق والعدل بيتا غير
القلب؟!
ولذا قال الأحنف بن قيس
:
ولربما
ضحك الحليم من الأذى ** وفؤاده من حرِّه
يتأوَّه
ولربما
شكل الحليم لسانه ** حذر الجواب وإنه لمُفوَّه
فحُسْن
الخلق من حياة القلب ، وسوء الخلق من مرض القلب أو موته ،
وقد
كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا ،
ولذا
فقد كان قلبه أعمر القلوب بالحياة حتى أيقظ
قلوب
كل من كان حوله في حياته
وبعد رحيله.
قال
أبو حامد الغزالي :
"
القلب خزانة كل جوهر للعبد نفيس ، وكل معنى خطير ، أولها العقل ،
وأجلُّها
معرفة الله تعالى التي هي سبب سعادة الدارين ، ثم
البصائر
التي بها التقدُّم
والوجاهة عند الله تعالى ، ثم النية الخالصة في الطاعات
التي
بها يتعلَّق ثواب الأبد ، ثم أنواع العلوم والحكم التي هي شرف
العبد ،
وسائر
الأخلاق الشريفة الخصال الحميدة التي بها يحصل تفاضل الرجال ،
وحُقَّ
لهذه الخزانة أن تُحفظ وتصان عن الأدناس والآفات ، وتُحرس
وتُحرز
من السُرَّاق والقُطَّاع ، وتُكرم وتُجَلُّ بضروب الكرامات ،
لئلا يلحق
تلك
الجواهر العزيزة دنس ، ولا يظفر بها -والعياذ بالله- عدو "
.
إن
قلبا عزيزا يمتلئ بالحزن سوف يرسل الأوامر إلى الوجه ليبتسم
حتى
لا يعلم الناس ما به من أذى ، فإن علموا ما به ظلَّ متألما
بِذُلِّ
الشكوى
محترقا بنار شفقة الناس عليه ،
وهكذا
كان قلب العزيز أسامة بن منقذ حين قال
:
نافقتُ
قلبي فوجـهي ضاحكٌ جذِل ** طلـق وقلبي كئيب مُكْمد
باكِ
وراحة
القلب في الشكوى ولذتها ** لو أمكنت لا تساوي ذلة
الشاكي
إن
القلب والباطن هو من يضبط ويتحكم في الجوارح والظاهر ليظهر أمام
الناس
ما يسمح به القلب فحسب ، ويأذن به ويرضاه ، واسمع مرة ثانية
إلى
قول أسامة بن منقذ وتمثيله الجميل :
انظر
إلى حسن صبر الشمع يُظهِرُ للـ ** رائين نورا وفيه النار
تستعِر
كذا
الكـريم تراه تـراه ضاحكا جـذِلا ** وقلـبه بدخـيل الغـم
منفطر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق