ينظم الفقه الإسلامي علاقة الإنسان بربه سبحانه
وتعالى من حيث التوجه
له بما أمره به من العبادة، كما ينظم علاقة الإنسان
بمجتمعه على
المستويات كافة؛ سواء في المعاملات الأسرية والمالية
والقضائية
والدولية، فهو يغطي جميع أحكام الحياة التي يحتاجها
الناس.
وللفقه معنيان :
أحدهما لغوي، والآخر
اصطلاحي.
والفقه في اللغة:
الفهم. يقال: فقِه يفقَه: أي فهِم يَفهَم. قال موسى
عليه الصلاة والسلام
في دعائه لربه عندما كلَّفه
بالرسالة:
{ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا
قَوْلِي }
[طه:27-28]
أي: يفهموه.
وقال تعالى:
{ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ
يَفْقَهُونَ حَدِيثًا }
[النساء:78]،
أي: لا يفهمون حديثًا.
وقال تعالى:
{ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ
}
[الإسراء:44]
أي: لا تفهمون تسبيحهم.
وقال رســـول الله صلى الله عليه
وسلم:
( إن طولَ صلاةِ الرَّجُلِ وقِصَرَ خُطْبَتِهِ
مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ )
رواه مسلم، أي: علامة على
فهمه.
و(الفقه) اصطلاحاً يطلق على
أمرين:
الأول: العلم بالأحكام الشرعية العملية، المكتسب من
أدلتها التفصيلية:
فيشتَرط في الفقيه أن يكون علمُه بحكم الشرع في أفعال
وأقوال المكلفين
مستَمَداً ومستنبَطاً بالنظر والاجتهاد في نصوص
الكتاب والسنة وما بُني
عليهما من إجماع الفقهاء وقواعد الاستدلال؛ وذلك مثلُ
العلم بأن النية
في الصلاة واجبةٌ
بناءً على قوله صلى الله عليه
وسلم:
( إنَّما الأعْمالُ بِالنيَّات
)
رواه البخاري ومسلم.
والعلم بأن الخمر والميسر مُحَرَّمان؛ أخذًا من قوله
تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا
الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ
وَالأَزْلاَمُ
رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
[المائدة:6].
والعلم بأنَّ صلاة الوتر مندوبةٌ وليست واجبةً؛ أخذًا
من حديث الأعرابي
الذي سأل النبيَ صلى الله عليه وسلم: ماذا فرض الله
عليَّ من الصلاة؟
فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
( خمس صلوات في اليوم والليلة )، فقال
الأعرابي:
هل عليَّ غيرُها؟ قال:( لا، إلا أن تطَّوَّع
)
رواه البخاري ومسلم.
والعلم بأن الصلاة بعد الفجر مكروهة؛ أخذًا من نهيه
صلى الله عليه وسلم
عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، رواه البخاري
ومسلم.
والعلم بأن النية من الليل شرط في صحة
الصوم
أخذًا من قوله صلى الله عليه
وسلم:
( من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له
)
رواه النسائي.
فالعلم بهذه الأحكام الشرعية المأخوذ من تلك الأدلة
يسمى فقهًا اصطلاحًا.
وفي الأزمنة المتأخرة وواقعنا المعاصر لم يعد اصطلاح
(الفقيه) مقتصراً
على العالِم بالأحكام الشرعية العملية عن طريق النظر
في الأدلة، وإنما
صار يطلق أيضًا على المشتغل بدراسة الأحكام
وحِفْظِها، ولو على مذهب
من المذاهب الفقهية، وذلك من باب التوسع في
الاصطلاح.
والأمر الثاني الذي يطلق عليه مصطلح (الفقه)
هو:
أحكام المسائل الشرعية
العملية:
فإذا قال شخصٌ: تعلمتُ الفقهَ، فإنه يعني أنه قد تعلم
أحكام المسائل
الشرعية الموجودة في كتب الفقه، والمستنبطة من الكتاب
والسنة
وما بُني عليهما من إجماع
واجتهاد.
وذلك مثل أحكام الصلاة والزكاة، وأحكام المعاملات
المالية، وأحكام
النكاح والطلاق والرضاع والحضانة، وأحكام الجهاد
والحدود والجنايات،
وغير ذلك. فهذه الأحكام الشرعية نفسها تسمى
(فقهًا)
في اصطلاح الفقهاء.
والفرق بين المعنيين الاصطلاحيين لـ
(الفقه):
أن الأول يطلق على العلم بالأحكام الشرعية العملية،
والثاني يطلق
على الأحكام الشرعية
نفسها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق