يحرص الإنسان في حياته على صحة جسمه، فيأخذ بالأسباب التي تؤدي
إلى ذلك، ويحرص العاقل على سلامة نفسه، فيزكيها بتطهيرها
من الذنوب، وتنميتها بفعل الخيرات والطاعات قال الله تعالى:
{قد أفلح من تزكى*وذكر اسم ربه فصلى}
[الأعلى:14-15].
فالمسلم يزكي نفسه بذكر الله وإقام الصلاة، ولعل التسبيح الذي يتكرر
كثيرًا في ركوع الصلاة وسجودها، وهو من ذكر الله يزكي النفس
من غيره، ومما جعلني أؤكد ذلك أن سورة الأعلى إبتدأت بالأمر بالتسبيح
{سبح اسم ربك الأعلى*الذي خلق فسوى}
[الأعلى:1-2].
ويتفق التسبيح مع التزكية، فالتسبيح هو تنزيه لله تعالى عن النقائص،
والتزكية تطهر النفس من الموبقات، فالمسلم الحق الذي يسعى إلى
التزكية يتوب إلى الله وينقي نفسه من الذنوب، وينزه إعتقاده عن الشرك
وبما أن التسبيح له أهمية في تزكية النفس، أمر الله به في القرآن
في مواضع عدة منها قوله تعالى:
{يأيها الذين آمنو اذكروا الله ذكرًا كثيرًا وسبحوه بكرة وأصيلًا}
[الأحزاب:42].
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم:
( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان،
حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم )
متفق عليه.
وطريق التزكية معروف في القرآن: إنه الإيمان والعمل الصالح.
ومن الأعمال الصالحة التي تزكي النفس وتبعد عن النار الصدقة لوجه الله
تعالى الذي قال في كتابه
{وسيجنبها الأتقى*الذي يؤتى ماله يتزكى*
وما لأحد عنده من نعمة تجزى*إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى*
ولسوف يرضى}
[الليل:17-21].
وقد أمر الله نبيه أن يأخذ صدقة من الذين إعترفوا بذنوبهم، لتطهرهم
من الذنوب والأوضار، وتنمي حسناتهم حتى يرتفعوا بها إلى مراتب
المخلصين الأبرار فقال سبحانه
{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}
[التوبة:103].
ومما يزكي النفس الإيمان بالغيب، والإعتقاد الجازم بأركان الإيمان الستة،
فالإيمان بالغيب يعمق المراقبة في نفس المسلم لله تعالى، ويعيش
المؤمن وهو يشعر أن الله يسمعه ويراه، ويعتقد أن الله سيحاسبه
على أعماله، فيخشاه، ويقيم صلاته على أحسن وجه،
ويعبد ربه كأنه يراه...
قال تعالى:
{إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة
ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه إلى الله المصير}
[فاطر:18].
إن التزكية فعل إيجابي يقوم به المسلم، ليؤدي إلى نمو الخير في نفسه،
وزيادة تقواه، ومما يدل على ذلك أن الله تعالى وصف الذين يتمسكون
بآداب الزيارة، والذين يغضون أبصارهم بالزكاء، فقال سبحانه:
{فإن لم تجدوا فيها أحدًا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم
وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعلمون عليم}
[النور:28].
وقال سبحانه:
{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم
إن الله خبير بما يصنعون}
[النور:30].
وعلمنا القرآن في آياته وقصصه أن نختار الطيب الحلال وعبّر عنه
بـ أزكى في قوله تعالى:
{فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعامًا
فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدًا}
[الكهف:19]،
إن الآية تشير إلى أن نربي أولادنا على حسن التصرف عند تكليفهم
بشراء حاجات من السوق أن يختاروا منها ما هو طيب وصالح،
وهذا يحتاج إلى تدريب لهم منذ الصغر على إختيار الأزكى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق