ليلى عبدالعزيز الهلالي
السؤال
الأخت الفاضلة الدكتورة/ ليلى
دافعي لكتابة هذه الرسالة سببان وليس سببًا واحدًا... فأنا أبحث
عن حل لمشكلتي المعقدة التي أحالت حياتي إلى جحيم لا يطاق، ثم إني
أريد أن أثبت لك وللجميع بأن المرأة ليست دومًا هي الضحية والمظلومة..
بل هناك نساء جبروتهن وقوتهن تفوق أشد الرجال شراسة، وزوجتي
مع الأسف الشديد واحدة من أولئك النسوة.
سيدتي تزوجتها منذ عشرين عامًا - وكنت للتو عائدًا من بعثة دراسية -
واختارتها والدتي لي لأنها من أسرة طيبة وتتمتع بجمال مقبول..
ولأنني كنت مقتنعًا جدًا بل وراغبًا بفكرة الزواج وافقت فورًا، وانتظرت
اللحظة التي تدخل فيها هذه المرأة حياتي ومنزلي لنبني حياة أسرية
جميلة ومستقرة، كنت أحلم أن تكون حياتي مختلفة فأنا كنت وما زلت
عاشقًا لجو الأسرة ولدفئها.... رسمت صورًا جميلة لحياتي معها
وعدت نفسي أن أجعل منها أسعد امرأة أدللها وأساعدها، أسافر معها
في كل مكان لنبني ذكريات جميلة في كل المدن، ولكن لسوء حظي
كانت زوجتي تختلف عني في كل شيء، تسخر من أحلامي وترفض
كل خططي وتوسلاتي... في البداية صنعت لها عذرًا لأن والدها كان
قاسيًا عليها وعلى والدتها ولكن تسامحي هذا كان دافعًا لها لتزداد
قسوة وعنفًا وسيطرة.
تحملت كثيرًا خاصة بعد أن رزقني الله بأربعة أطفال يشبهون الحياة..
وربما وجودهم حولي هو ما جعلني أتحمل كل ما يصدر من هذه المرأة
التي تتعامل مع الجميع بقسوة، والتي لا أذكر أن رأيت على وجهها
ابتسامة رضا أو سمعت منها كلمة شكر أو امتنان على كل ما أقدمه
أو أفعله بحجة أن هذا واجب علي ويجب ألا أنتظر الشكر.
سيدتي لقد بنت زوجتي خلال عشرين سنة هي عمر زواجنا....
حواجز وأسوارًا تفصل بيننا يصعب معها أي تلاق في الأفكار بيننا،
خلاصة القول: هذه المرأة أحالت حياتي إلى جحيم لا يطاق، جعلتني
أنهض من السرير كل يوم وحالة الاكتئاب والحزن تسكن ملامحي
وكل خطواتي. ولم يعد للحياة معنى أو قيمة، وما يزيد خوفي هو أن
ابنتي الوحيدة ستتزوج خلال ثلاثة أشهر وسيلتحق ابني الأصغر نهاية
هذا العام بأخويه اللذين سافرا للدراسة بالخارج هروبًا من جبروت
والدتهما وتسلطها، وقد شجعتهما على ذلك لأنني كنت أرى تأثيرها
المدمر على حياة جميع أبنائي وعلى نفسياتهم، أردت أن أبعدهم
عنها ليعرفوا معنى الهدوء والاستقرار.
إن وجودي وحيدًا مع هذه المرأة أمر لا أكاد أطيقه وأفضل الموت على
مواصلة الحياة معها، الكل يرفض أن أنفصل عنها لأنها تملك كل شيء:
المنزل وجميع الأملاك، التي أصرت أن أسجلها لها، ويطلبون مني ألا
أضحي بكل ما بنيته خلال سنوات عمري لتنعم به، الكل يجمع على
ضرورة أن أتحملها، فقط هو قلبي الذي يرفض، فأنا متعب وحزين،
أريد أن أرحل، أن أبحث عن حياة لم أعشها.
أرجوك ساعديني.. دليني على طريق ربما هو أمامي ولكنني لا أراه جيدًا،
أو لا أعرف كيف أخوضه، فقط أرجوك ألا تطلبي مني أن أحاول إصلاحها
فعشرون عامًا وأكثر مضت وأنا أقوم بهذه المحاولة ولم أحقق أي نتيجة،
بل الأمور تزداد سوءًا عامًا بعد عام للدرجة التي لم أعد فيها قادرًا
على مواصلة مشوار حياتي..
تقبلي تحياتي وخالص دعواتي بالتوفيق.
أحمد.ع
جدة
الجواب
الأخ الفاضل/أحمد:
قبل أن أتحدث عن مشكلتك أود أن أشير إلى أن فكرة كون المرأة هي
الضحية دائمًا والرجل هو المتهم بالظلم والجبروت فكرة خاطئة للغاية،
فكما هناك ضحايا من النساء فهناك ضحايا بلا شك من الرجال، نعم
عدد النساء أكثر ولكن هذا لا يعني أن نظلم الرجل ونعمم عليه حكمًا جائرًا.
أخي العزيز:
أنت بالفعل ضحية ولكن بصدق شديد أنت ضحية نفسك وسلبيتك وأرجو
أن تعذرني لقسوة حكمي، ولكن هذا ما بدا لي وأنا أقرأ رسالتك وأعيد قراءتها مرات ومرات.
لقد سلمت نفسك وحياتك وكل أحلامك وحتى أموالك لامرأة لم تكن
ملامحها تشبه فتاة أحلامك وأقصد هنا ملامحها النفسية، لا أعرف
لماذا سلمتها كل شيء وأنت تعاني بسببها كل هذه المعاناة؟ لماذا لم
توقفها عند حدها فلديك كل المبررات والأسباب؟ لماذا سمحت لها أن
تهينك وتعذب أبناءك؟ فهي امرأة مريضة وبحاجة إلى علاج نفسي،
خاصة أن طفولتها لم تكن سعيدة كما ذكرت أو أنها ورثت طبعها القاسي
من والدها، وهذا ما جعلها تتعامل معك ومع أبنائها على هذا النحو..!!!.
تقول إنك حاولت كثيرًا أن تصلح من حالها ولم تصل إلى نتيجة،
وتقول أيضًا إن أبناءها فضلوا أن يكملوا تعليمهم في دول تبعد عن
وطنهم آلاف الأميال ليتجنبوا أذاها، وتقول أيضًا إنها سيطرت على كل
أموالك وأملاكك..!!!!.
ماذا تنتظر بعد..!!؟.
سيدي لم يتبق لديك سوى حياتك ستسلمها لها أيضًا..!!.
ألم تكتف بعشرين عامًا مضت في العذاب والمرارة..!!؟.
أخي العزيز:
دعك من أولئك الذين يقولون اصبر من أجل أموالك وأملاكك التي
سلمتها لها بكامل إرادتك، اعتبرها ثمنًا لحياتك الجديدة، فأنت من صنع
المال وليس المال الذي صنعك، ضع زوجتك أمام خيارين إما أن تعيد
حساباتها في كل شيء أو أن تتزوج وتستقل بحياتك بعيدًا عنها.
نعم أدعوك للزواج برغم أنني أرفض أن يكون حلًّا أقدمه لأي
رجل يشكو همه ومشاكله الزوجية.
ربما أضعه آخر الحلول، ولكن في وضعك وحالتك يتصدر هذا الحل
القائمة ويفرض نفسه عليك وعلي، لأنك إنسان نبيل وراق وتحب الخير
وتحملت الكثير وحرمت أيسر حقوقك وأحلامك، لذلك أنت تستحق حياة
جديدة فلا تحرم نفسك منها ولا تضحي بما تبقى من عمرك كما ضحيت
بما مضى على أمل لم يتحقق خلال عشرين عامًا.
حاول مرة أخيرة معها ودعها تتيقَّن عزمك الصادق على ما تنويه،
وإذا لم تجد منها استجابة على المستوى المطلوب، أدر ظهرك لها
وستجد الطريق مفتوحًا أمامك، اسلكه بلا تردد ويكفي ما مضى،
وتذكر أن أبناءها هربوا بأنفسهم بعيدًا عنها، ولن يلوموك إطلاقًا لو
فعلت ما تراه صالحًا لنفسك وحياتك.
لي رجاء أخير أخي العزيز أختم به ردي عليك، وهو أن تكون قويًّا
بما فيه الكفاية، فهذا حق نفسك وحياتك عليك، والخالق أتاح لك فرصًا
لا تحرم نفسك منها.
أتمنى لك كل التوفيق والسعادة فأنت تستحقها.
الدكتورة ليلى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق