قال الحسن البصري:
العالم مَن خشي الرحمن بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما
سَخط الله فيه، ثم تلا الحسن:
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}
[فاطر/28].
وعن ابن مسعود، رضي الله عنه، أنه قال: ليس العلم عن كثرة الحديث،
ولكن العلم عن كثرة الخشية.وقال أحمد بن صالح المصري،
عن ابن وهب، عن مالك قال: إن العلم ليس بكثرة الرواية،
وإنما العلم نور يجعله الله في القلب. قال أحمد بن صالح المصري:
معناه: أن الخشية لا تدرك بكثرة الرواية، وأما العلم الذي فرض الله
عز وجل أن يتبع فإنما هو الكتاب والسنة، وما جاء عن الصحابة
رضي الله عنهم ومن بعدهم من أئمة المسلمين، فهذا لا يدرك إلا بالرواية
ويكون تأويل قوله: نور يريد به فهم العلم، ومعرفة معانيه.
وقال سفيان الثوري، عن أبي حيان التميمي، عن رجل قال:
كان يقال: العلماء ثلاثة: عالم بالله عالم بأمر الله، وعالم بالله ليس
بعالم بأمر الله، وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله.فالعالم بالله وبأمر الله:
الذي يخشى الله ويعلم الحدود والفرائض. والعالم بالله ليس بعالم
بأمر الله: الذي يخشى الله ولا يعلم الحدود ولا الفرائض.
والعالم بأمر الله ليس بعالم بالله: الذي يعلم الحدود والفرائض،
ولا يخشى الله عز وجل.
وفي تفسير القرطبي (ج 14/ ص 343ـ 344):
قال الربيع بن أنس:
من لم يخش الله تعالى فليس بعالم . وقال مجاهد: إنما العالم من
خشي الله عز وجل . وعن ابن مسعود: كفى بخشية الله تعالى
علما وبالاغترار جهلاً . وقيل لسعد ابن إبراهيم: من أفقه أهل المدينة؟
قال: أتقاهم لربه عز وجل . وعن مجاهد قال:
إنما الفقيه من يخاف الله عز وجل .
وعن علي رضي الله عنه قال: إن الفقيه حق الفقيه من لم يقنط الناس
من رحمة الله، ولم يرخص لهم في معاصي الله تعالى،
ولم يؤمنهم من عذاب الله، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره،
إنه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا علم لا فقه فيه، ولا قراءة لا تدبر فيها .
ومن هذا كله يتلخص لنا أن شروط العالم وهي :
1. العدالة، ونعني بها استقامة الدين بالسلامة من الفسق وخوارم المروءة.
2. الضبط، ونعني به ضبط مسائل العلم وفقهها بعيداً عن الخطأ.
3. العمل بالعلم وامتثاله باطناً وظاهرا.
4. تعليمه لمن سأل عنه.
5. الخوف من الله تعالى المشوب بتعظيمه دون سواه.وها هنا يجب على
العالم الحذر كل الحذر من ثلاثة أمور وهي:
الأول:
الحذر الشديد من حمل العلم دون العمل به حتى لا يكون كالحمار
يحمل كتب العلم ولا ينتفع بها كما قال الله تعالى:
{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا
بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
[الجمعة: 5].
والثاني:
الحذر الشديد أن يكون الباعث الأصلي من تعلم العلم هو حظوظ الدنيا،
ومن ذلك لصرف وجوه الناس إليه أو ليقال هو عالم،
أو للمماراة به، أو ليأكل به باطلاً، كما قال الله تعالى:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ .
وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ
إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ
كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}
[الأعراف: 175].
وفي سنن ابن ماجه (ج 1/ ص 303)عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ وَيُجَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ
وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ جَهَنَّمَ )،
وقال تعالى مؤكداً على تجنب ذلك كله:
{وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا
بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ . وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا
الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
[البقرة: 41، 42]،
وقال تعالى:
{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا
لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا
عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا
قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}
[المائدة: 44] .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق