والثالث:
الحذر الشديد من شرك الطاعة وذلك بطلب العالم له أو لغيرهم من
الحكام والكبراء الطاعة فيما حرم الله تعالى، لأن من يدعوا لذلك فقد
جعل نفسه أو غيره من الكبراء والحكام طاغوتاً يعبد من دون الله تعالى،
وانظر مصداق ذلك في قوله تعالى:
{وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}
[الأنعام: 121]،
وفي قوله تعالى:
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ
إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا
مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}
[آل عمران: 64]،
وفي حديث الطبراني في (المعجم الكبير: [ج 12/ ص 7])
عَنْ عَدِيِّ بن حَاتِمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ:
( يَا عَدِيُّ اطْرَحْ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ )،
فَطَرَحْتُهُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةٌ، فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ:
{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}
[التوبة: 31]
حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقُلْتُ: إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ، فَقَالَ:
( أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ،
فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ ).
ثانياً: ما هي درجات العلماء؟العلماء درجات بقدر تبحر العالم في
العلوم والقيام بها بقدر تقدمه فيها ورفعته بين العلماء بها،
لأن العلم مسائل فكل من استزاد منها مسئلة استزاد في العلم درجة.
والعلماء هنا ليسوا على حد سواء فمنهم المقلون من العلم وهم صغار العلماء،
ومنهم المستكثرون منه وهم كبار العلماء،
ولا يحيط بالعلم أحد مهما بذل له. ثالثاً:
ما هي صفات العلماء؟
جاء في الذكر الحكيم أن للعلماء صفتان، وهما كالآتي :
الصفة الأولى:
العلماء الربانيون، كما قال الله تعالى:
{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ
كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ
وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}
[آل عمران: 79]
قال البغوي رحمه الله في تفسيره (ج 2 / ص 60):
واختلفوا في قوله:
{وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}،
قال علي وابن عباس والحسن:
كونوا فقهاء علماء ، وقال قتادة: حكماء وعلماء ، وقال سعيد بن جبير:
العالم الذي يعمل بعلمه، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس:
فقهاء معلمين .
وقيل: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، وقال عطاء:
علماء حكماء نُصحاء لله في خلقه ، قال أبو عبيدة: سمعت رجلا عالمًا يقول:
الرباني العالم بالحلال والحرام والأمر والنهي، العالم بأنباء الأمة ما كان
وما يكون، وقيل: الربانيون فوق الأحبار ، والأحبار: العلماء،
والربانيون: الذين جمعوا مع العلم البصارة بسياسة الناس.
قال المؤرّج: كونوا ربانيين تدينون لربكم، من الربوبية ... وقال المبرد:
هم أرباب العلم سُموا به لأنهم يربون العلم، ويقومون به
ويربون المتعلمين بصغار العلوم .
قلت: ولا خلاف فاللفظ محتمل ذلك كله
والصفة الثانية:
العلماء الراسخون في العلم، كما قوله تعالى:
{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}
[آل عمران: 7]
قال البغوي رحمه الله في تفسيره (ج 2 / ص 10):
هم الداخلون في العلم الذين أتقنوا علمهم بحيث لا يدخل في معرفتهم شك،
وأصله من رسوخ الشيء في الشيء وهو ثبوته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق