سلسلة أعمال القلوب (87)
الحادي عشر: أخبار السلف رضى الله عنهم في هذا الباب: وهي كثيرة، وقد
ذكرت طائفة منها عند الكلام على بعض جزئيات هذا الموضوع،
وأذكر شيئاً يسيراً ومن ذلك:
ما قاله عامر بن عبد القيس رحمه الله مبيناً الدرجة التي وصل إليها في
هذا الباب يقول:' لو كُشِف الغطاء ما ازددت يقيناً'. عنى بلغ في اليقين غايته
يقول: لو رأيت الجنة والنار ما ازددت يقيناً.
ويقول الآخر:' رأيت الجنة والنار حقيقة'. فقيل له: كيف رأيتها حقيقة؟
قال:' رأيتها بعينى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورؤيتي لها بعينه
آثر عندي من رؤيتي لها بعيني؛ فإن بصري قد يطغى ويزيع بخلاف بصره
صلى الله عليه وسلم' . فهذا يعتبر ما أخبر عنه الصادق المصدوق،
صلى الله عليه وسلم، آكد في نفسه، وأعظم ثقة من الأشياء التي شاهدها
بأم عينه.
ومما يذكر في هذا الباب من أخبارهم: أن عالماً من العلماء المتقدمين ألف
كتاباً في التفسير، فلم يجد سعة، ومالاً من أجل أن يستنسخ الكتاب، كانت هذه
الكتب تستنسخ عند الورّاقين، ولربما كلفهم ذلك مبالغ إذا كان الكتاب كبيراً
لا يستطيعون دفعها، فركب هذا العالم سفينة، وسار على النهر ليذهب إلى
رجل من أهل الغنى والثراء؛ ليعرض عليه هذا الكتاب من أجل أن يتبرع لنسخه،
فبينما هو بالسفينة إذ مرّ برجل يمشى على قدميه يريد الركوب،
فطلب من صاحب السفينة أن يحمل هذا الرجل ويحسن إليه، فتوقفت فحملوا
بها هذا الرجل فسأل الرجل العالم: من أنت؟ فأخبره باسمه، فقال: أنت العالم
المفسر؟ قال: نعم، قال: وأين تريد؟ قال: أريد أن أذهب إلى فلان علّه أن
يتبرع بنسخ هذا الكتاب، فقال هذا الرجل للعالم: وكيف فسرت قوله تعالى:
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[5]}
[سورة الفاتحة] ؟
فأخبره عمَّا قال وتفطن لمقصده! ثم قال لصاحب السفينة:
ارجع بي إلى حيث حملتني، ورجع إلى بيته، وبقى فيه.
فلم يمتد نظره إلى المخلوق، فيتعلق قلبه به، ولو في هذا الأمر الذي يعم
نفعه، وهو نسخ هذا الكتاب، وبعد مدة ليست بالبعيدة، وإذا برجل يطرق
الباب، ومعه رسول فعرّفه بنفسه، وقال: إنه مرسل من قبل فلان الرجل الذي
كان يريد أن يذهب إليه، وقال: إنه قد بلغه أنك قد كتبت كتاباً في التفسير،
فهو يريد أن يطلع عليه، فبعث إليه بجزءٍ من أجزاء هذا الكتاب، فلما نظر
إليه أمر أن يوزن له بالذهب، فَوُزِن فبعث به إلى هذا العالم. فانظر كيف
يؤثر اليقين، وكيف كانت حالهم معه!
وهذا الإمام البخاري لما ابتُلى، وأوذي إيذاءً كثيراً -في القصة المعروفة-
ماذا كان يُردد، ويقول؟ كان يردد ليلاً ونهاراً يقول:
{ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ...[160]}
[سورة آل عمران]
.[نزهة الفضلاء 1019].
فلم يذهب إلى أحد المخلوقين، فيشكو له فلاناً، أو فلاناً، ويطلب النصرة منه،
وإنما كان يردد هذه الآية، وكان إذا قيل له: يقولون عنك كذا، وكذا؛ لا يزيد
أن يقرأ آية من القرآن:
{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ[173] }
[سورة آل عمران].
يقولون: إنهم يكيدون لك كذا وكذا، فيقرأ:
{...وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ...[43]} [سورة فاطر].
في جميع جواباته على ما ينقل إليه من أقوال، وأفعال خصومه.
الحادي عشر: أخبار السلف رضى الله عنهم في هذا الباب: وهي كثيرة، وقد
ذكرت طائفة منها عند الكلام على بعض جزئيات هذا الموضوع،
وأذكر شيئاً يسيراً ومن ذلك:
ما قاله عامر بن عبد القيس رحمه الله مبيناً الدرجة التي وصل إليها في
هذا الباب يقول:' لو كُشِف الغطاء ما ازددت يقيناً'. عنى بلغ في اليقين غايته
يقول: لو رأيت الجنة والنار ما ازددت يقيناً.
ويقول الآخر:' رأيت الجنة والنار حقيقة'. فقيل له: كيف رأيتها حقيقة؟
قال:' رأيتها بعينى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورؤيتي لها بعينه
آثر عندي من رؤيتي لها بعيني؛ فإن بصري قد يطغى ويزيع بخلاف بصره
صلى الله عليه وسلم' . فهذا يعتبر ما أخبر عنه الصادق المصدوق،
صلى الله عليه وسلم، آكد في نفسه، وأعظم ثقة من الأشياء التي شاهدها
بأم عينه.
ومما يذكر في هذا الباب من أخبارهم: أن عالماً من العلماء المتقدمين ألف
كتاباً في التفسير، فلم يجد سعة، ومالاً من أجل أن يستنسخ الكتاب، كانت هذه
الكتب تستنسخ عند الورّاقين، ولربما كلفهم ذلك مبالغ إذا كان الكتاب كبيراً
لا يستطيعون دفعها، فركب هذا العالم سفينة، وسار على النهر ليذهب إلى
رجل من أهل الغنى والثراء؛ ليعرض عليه هذا الكتاب من أجل أن يتبرع لنسخه،
فبينما هو بالسفينة إذ مرّ برجل يمشى على قدميه يريد الركوب،
فطلب من صاحب السفينة أن يحمل هذا الرجل ويحسن إليه، فتوقفت فحملوا
بها هذا الرجل فسأل الرجل العالم: من أنت؟ فأخبره باسمه، فقال: أنت العالم
المفسر؟ قال: نعم، قال: وأين تريد؟ قال: أريد أن أذهب إلى فلان علّه أن
يتبرع بنسخ هذا الكتاب، فقال هذا الرجل للعالم: وكيف فسرت قوله تعالى:
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[5]}
[سورة الفاتحة] ؟
فأخبره عمَّا قال وتفطن لمقصده! ثم قال لصاحب السفينة:
ارجع بي إلى حيث حملتني، ورجع إلى بيته، وبقى فيه.
فلم يمتد نظره إلى المخلوق، فيتعلق قلبه به، ولو في هذا الأمر الذي يعم
نفعه، وهو نسخ هذا الكتاب، وبعد مدة ليست بالبعيدة، وإذا برجل يطرق
الباب، ومعه رسول فعرّفه بنفسه، وقال: إنه مرسل من قبل فلان الرجل الذي
كان يريد أن يذهب إليه، وقال: إنه قد بلغه أنك قد كتبت كتاباً في التفسير،
فهو يريد أن يطلع عليه، فبعث إليه بجزءٍ من أجزاء هذا الكتاب، فلما نظر
إليه أمر أن يوزن له بالذهب، فَوُزِن فبعث به إلى هذا العالم. فانظر كيف
يؤثر اليقين، وكيف كانت حالهم معه!
وهذا الإمام البخاري لما ابتُلى، وأوذي إيذاءً كثيراً -في القصة المعروفة-
ماذا كان يُردد، ويقول؟ كان يردد ليلاً ونهاراً يقول:
{ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ...[160]}
[سورة آل عمران]
.[نزهة الفضلاء 1019].
فلم يذهب إلى أحد المخلوقين، فيشكو له فلاناً، أو فلاناً، ويطلب النصرة منه،
وإنما كان يردد هذه الآية، وكان إذا قيل له: يقولون عنك كذا، وكذا؛ لا يزيد
أن يقرأ آية من القرآن:
{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ[173] }
[سورة آل عمران].
يقولون: إنهم يكيدون لك كذا وكذا، فيقرأ:
{...وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ...[43]} [سورة فاطر].
في جميع جواباته على ما ينقل إليه من أقوال، وأفعال خصومه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق