سلسلة أعمال القلوب (89)
اجتمع حذيفة المرعشي، وسليمان الخوّاص، ويوسف بن أسباط، وهم من
الزهاد، فتذاكروا الفقر والغنى، وسليمان الخواص ساكت، فقال بعضهم:
الغني من كان له بين يكنه . ما هو معنى الغني؟ ما ميزان الغني عندهم؟
الغني من كان له بين يكنه، وثوب يستره، وسداد عيش يكّفه عن فضول
الدنيا، وقال الآخر: الغني من لم يحتج إلى الناس وسليمان ساكت، فقيل له:
ما تقول أنت أبا أيوب؟ فبكى ثم قال: رأيت جوامع الغنى في التوكل، ورأيت
جوامع الشر من القنوط، والغنيّ حق الغنى من أسكن الله قلبه من غناه يقيناً،
ومن معرفته توكلاً، ومن عطاياه وقسمه رضاً، فذاك الغني حق الغنى،
وإن أمسى طاوياً، وأصبح معوزاً، فبكى القوم جميعاً من كلامه.
* وهذه المرأة الصحابية من بنى عبد الدار من الأنصار رضى الله عنهم
لما أُخبرت باستشهاد زوجها، وأخيها، وأبيها، ولم يبق لديها أحد، قالت:
ماذا صنع رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: هو بخير، فقالت: كل
مصيبة بعدك يا رسول الله جلل . يعني: أنها سهلة يسيرة، فقدت زوجها،
وأباها، وأخاها، وتقول ذلك في حرارة المصيبة.
* وأيضاً: من عجائب أخبارهم ما جاء عن حَيْوَة بن شريح التجيبي، الفقيه،
المحدث، الزاهد، وهو من رواة الحديث الثقات، كان يأخذ عطاءه في السنة
ستين ديناراً، فلا يفارق ذلك المكان الذي أخذ فيه العطاء حتى يتصدق بها
جميعاً، فكان إذا جاء إلى منزله وجد الستين ديناراً، تحت فراشة، فبلغ ذلك
ابن عم له، فتصدق لعطائه جميعا أراد أن يفعل مثل حيوة، وجاء إلى تحت
فراشه فلم يجد شيئاً! فذهب إلى حيوة وقال: أنا تصدقت بكل عطائي، ولم
أجد تحت فراشي شيئاً، فقال له حيوة: أنا أعطيت ربي يقيناً، وأنت أعطيته
تجربة. يعنى: أنت كنت تريد أن تجرب، وتختبر ربك، فتصدقت، لتنظر
النتيجة، وأما أنا فأتصدق وأنا راسخ اليقين بما عند الله عز وجلّ
من الجزاء والعوض.
* وهذه الخنساء، ومعروف خبرها: لما مات أخوها صخر، فكانت تبكى
وترثيه، وتقول: ومن بكى حولاً كاملاً فقد اعتذر. وكانت تقول:
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
وقالت فيه شعرها المشهور المعروف، فلما دخلت في الإسلام، وقُتل أبناؤها
الأربعة في وقعة واحدة، ماذا قالت؟ قالت: الحمد لله الذي شرفني
باستشهادهم. فانظر كيف قلب اليقين حالها، فغيرها هذا التغيير!!
* وكذلك أم حارثة التي قُتل ابنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ
مِنِّي فَإِنْ يَكُ فِي الْجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ وَإِنْ تَكُنْ الْأُخْرَى تَرَى مَا أَصْنَعُ فَقَالَ:
[ وَيْحَكِ أَوَهَبِلْتِ أَوَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّهُ لَفِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ]
رواه البخاري . فسكتت، وما بكت، وما جزعت، وما تحرك لها ساكن. فما
الذي يجعل الإنسان يفعل هذه الأمور، ويصبر هذا الصبر الذي كان عليه
السلف الصالح رضى الله عنهم؟ هو قوة اليقين بالله .
ونحن حينما نطرح هذه الأشياء لا نطرح الأشياء الغريبة جدًّا التي تنبو
عن السمع، فلا يصدقها أحد ممن قلَّ يقينه، فهذه أمور لا أُحدثكم بها، وكما
قيل: ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلى كان لبعضهم فتنة، وإنما
أُحدث بأمور معقولة عند أهل اليقين، ونحن نشاهد في عصرنا هذا من أخبار
أقوام قد كمل يقينهم، نشاهد عندهم أشياء عجيبة، وبعضهم يكون من العوام،
ونشاهد أشياء عند بعض أهل العلم تدل على قلة اليقين، وقلة التوكل على
الله عز وجلّ، والخوف على الأجل والرزق، وما أشبه ذلك، فإن لم نستطع
أن نصل إلى المراتب العليا في هذا الباب؛ فلا أقل من أن هذه الموضوعات
تحرك لنا شيئاً في النفوس.
موضوع الإخلاص، واليقين، والتوكل- وما سيأتي من الكلام عن الرضا،
والصبر، وأشباه ذلك- أن نحرك القلوب وأن نعمل على رفعها. في كثير من
الأحيان يتوهم الإنسان أنه قد بلغ الغاية والكمال، والناس لربما توهموا فيه
خيراً كثيراً، وظنوا أنه من عباد الله المتقين الصالحين، ولربما كان لديه
ضعف في الأعمال القلبية، فيحتاج الإنسان إلى أن يعرف حقيقة حاله قبل أن
يُقبل على الله عز وجلّ، ثم بعد ذلك يندم ولا ينفعه الندم، هذا ما يتعلق
بموضوع اليقين.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
اجتمع حذيفة المرعشي، وسليمان الخوّاص، ويوسف بن أسباط، وهم من
الزهاد، فتذاكروا الفقر والغنى، وسليمان الخواص ساكت، فقال بعضهم:
الغني من كان له بين يكنه . ما هو معنى الغني؟ ما ميزان الغني عندهم؟
الغني من كان له بين يكنه، وثوب يستره، وسداد عيش يكّفه عن فضول
الدنيا، وقال الآخر: الغني من لم يحتج إلى الناس وسليمان ساكت، فقيل له:
ما تقول أنت أبا أيوب؟ فبكى ثم قال: رأيت جوامع الغنى في التوكل، ورأيت
جوامع الشر من القنوط، والغنيّ حق الغنى من أسكن الله قلبه من غناه يقيناً،
ومن معرفته توكلاً، ومن عطاياه وقسمه رضاً، فذاك الغني حق الغنى،
وإن أمسى طاوياً، وأصبح معوزاً، فبكى القوم جميعاً من كلامه.
* وهذه المرأة الصحابية من بنى عبد الدار من الأنصار رضى الله عنهم
لما أُخبرت باستشهاد زوجها، وأخيها، وأبيها، ولم يبق لديها أحد، قالت:
ماذا صنع رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: هو بخير، فقالت: كل
مصيبة بعدك يا رسول الله جلل . يعني: أنها سهلة يسيرة، فقدت زوجها،
وأباها، وأخاها، وتقول ذلك في حرارة المصيبة.
* وأيضاً: من عجائب أخبارهم ما جاء عن حَيْوَة بن شريح التجيبي، الفقيه،
المحدث، الزاهد، وهو من رواة الحديث الثقات، كان يأخذ عطاءه في السنة
ستين ديناراً، فلا يفارق ذلك المكان الذي أخذ فيه العطاء حتى يتصدق بها
جميعاً، فكان إذا جاء إلى منزله وجد الستين ديناراً، تحت فراشة، فبلغ ذلك
ابن عم له، فتصدق لعطائه جميعا أراد أن يفعل مثل حيوة، وجاء إلى تحت
فراشه فلم يجد شيئاً! فذهب إلى حيوة وقال: أنا تصدقت بكل عطائي، ولم
أجد تحت فراشي شيئاً، فقال له حيوة: أنا أعطيت ربي يقيناً، وأنت أعطيته
تجربة. يعنى: أنت كنت تريد أن تجرب، وتختبر ربك، فتصدقت، لتنظر
النتيجة، وأما أنا فأتصدق وأنا راسخ اليقين بما عند الله عز وجلّ
من الجزاء والعوض.
* وهذه الخنساء، ومعروف خبرها: لما مات أخوها صخر، فكانت تبكى
وترثيه، وتقول: ومن بكى حولاً كاملاً فقد اعتذر. وكانت تقول:
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
وقالت فيه شعرها المشهور المعروف، فلما دخلت في الإسلام، وقُتل أبناؤها
الأربعة في وقعة واحدة، ماذا قالت؟ قالت: الحمد لله الذي شرفني
باستشهادهم. فانظر كيف قلب اليقين حالها، فغيرها هذا التغيير!!
* وكذلك أم حارثة التي قُتل ابنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ
مِنِّي فَإِنْ يَكُ فِي الْجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ وَإِنْ تَكُنْ الْأُخْرَى تَرَى مَا أَصْنَعُ فَقَالَ:
[ وَيْحَكِ أَوَهَبِلْتِ أَوَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّهُ لَفِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ]
رواه البخاري . فسكتت، وما بكت، وما جزعت، وما تحرك لها ساكن. فما
الذي يجعل الإنسان يفعل هذه الأمور، ويصبر هذا الصبر الذي كان عليه
السلف الصالح رضى الله عنهم؟ هو قوة اليقين بالله .
ونحن حينما نطرح هذه الأشياء لا نطرح الأشياء الغريبة جدًّا التي تنبو
عن السمع، فلا يصدقها أحد ممن قلَّ يقينه، فهذه أمور لا أُحدثكم بها، وكما
قيل: ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلى كان لبعضهم فتنة، وإنما
أُحدث بأمور معقولة عند أهل اليقين، ونحن نشاهد في عصرنا هذا من أخبار
أقوام قد كمل يقينهم، نشاهد عندهم أشياء عجيبة، وبعضهم يكون من العوام،
ونشاهد أشياء عند بعض أهل العلم تدل على قلة اليقين، وقلة التوكل على
الله عز وجلّ، والخوف على الأجل والرزق، وما أشبه ذلك، فإن لم نستطع
أن نصل إلى المراتب العليا في هذا الباب؛ فلا أقل من أن هذه الموضوعات
تحرك لنا شيئاً في النفوس.
موضوع الإخلاص، واليقين، والتوكل- وما سيأتي من الكلام عن الرضا،
والصبر، وأشباه ذلك- أن نحرك القلوب وأن نعمل على رفعها. في كثير من
الأحيان يتوهم الإنسان أنه قد بلغ الغاية والكمال، والناس لربما توهموا فيه
خيراً كثيراً، وظنوا أنه من عباد الله المتقين الصالحين، ولربما كان لديه
ضعف في الأعمال القلبية، فيحتاج الإنسان إلى أن يعرف حقيقة حاله قبل أن
يُقبل على الله عز وجلّ، ثم بعد ذلك يندم ولا ينفعه الندم، هذا ما يتعلق
بموضوع اليقين.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق