سلسلة أعمال القلوب (119)
السلف والخشوع:
وكان عبد الله بن الزبير يسجد، فيأتي المنجنيق، فيصيب ثوبه، ولربما أصاب
طرف ثوبه، وهو لا يتحرك في صلاته، ولا يرفع رأسه، ولا يلتفت . ودخل
عليه رجل بيته، فإذا به يصلي، فسقطت حية على ابنه هاشم، فصاحوا:
الحية! الحية! ثم قتلوها، وما قطع صلاته، ولما سئل بعد الصلاة قال:
' ما شعرت بشيء من ذلك'. ويقول ثابت البناني: كنت أمر بابن الزبير وهو
خلف المقام يصلي كأنه خشبه منصوبة لا تتحرك. ووصفة بعضهم إذا صلى
كأنه عود من الخشوع، وكان يسجد، فلربما نزل الطير على ظهره تحسبه
الطيور جذع حائط . وصلى يوماً في الحجر، فجاء حجر من المنجنيق،
فضرب ثوبه فما انفتل، وما تحرك وما التفت . وذلك في حصار
الحجاج للكعبة.
وكان مسلمة بن بشار في المسجد فانهدمت طائفة من المسجد، فقام الناس
ولم يشعر أن أسطوانة المسجد قد انهدمت !! وهذا يعقوب الحضرمي لم يُر
في زمانه مثله، بلغ من زهده أنه سُرق رداؤه عن كتفه وهو في الصلاة،
ورُد إليه ولم يشعر.
محي الليل صلاة لا يقطعها إلا بدمع من الإنشغاق منســـجمِ
مسبحاً لك جنح الليل محتملاً ضراً من السهد أو ضراً من الورمِ
رضية نفسه لا تشتكي سأما وما على الحب إن أخلصت من سأمِ
وهذا محمد بن إسماعيل البخاري ذُكر في قصته وترجمته أنه خرج مع قوم
إلى حائط مزرعة، فقام يصلي بالناس الظهر، فلما فرغ قام يتطوع، فلما فرغ
من تطوعه رفع ثوبه وقال لبعض من معه: انظروا هل ترون تحت قميصي
شيئاً؟ فإذا زنبور قد أبره في ستة عشر، أو سبعة عشر موضعاً، وتورم ذلك
من جسده، فقال له بعض القوم:كيف لم تخرج من الصلاة في أول ذلك؟.قال:
كنت في سورة فأحببت أن أتمها . وهذا محمد بن يعقوب الأخرم يقول:
ما رأينا أحسن صلاة من صلاة محمد بن نصر- يعني المروزي- كان الذباب
يقع على بدنه – يعني الزنبور – ولا يذبه عن نفسه، ولقد كنا نتعجب من
حسن صلاته وخشوعه وهيبته للصلاة، كان يضع ذقنه على صدره، فينتصب
كأنه خشبه مسنودة. ووصفه آخر يقول: رأيت محمد بن نصر ما رأيت أحسن
صلاة منه، ولقد بلغني أن زنبوراً قعد على جبهته، فسال الدم على وجهه،
ولم يتحرك .
وكان كرز بن وبرة إذا دخل في الصلاة لا يرفع طرفه يمنة ولا يسرة، وكان
من المخبتين، وربما كُلم خارج الصلاة فلا يُجيب إلا بعد مدة من شدة
استغراقه في التفكير . يقول الذهبي رحمة الله -معلقاً على ذلك-: هكذا كان
زهاد السلف، وعبادهم، أصحاب خوف وخشوع وتعبد . ووقع حريق في بيت
على بن الحسين، وهو ساجد، فجعلوا يقولون: يا ابن رسول الله النار..النار،
فما رفع رأسه حتى أطفأت، فقيل له في ذلك فقال:' ألهتني عنها النار الأخرى
' . وكان مسلم بن يسار يقول لأهله إذا دخل في صلاته:'تحدثوا فلست
أسمع حديثكم'.
هذه نماذج من رجال السلف، وحينما أذكر أشياء من ذلك إنما أذكر ما قرب
منه، وأما الأمور التي قد تنبو عنها الأسماع، ولا تدركها كثير من العقول؛
فإني أتجاوز ذلك أجمع، ومع ذلك كثير منا يظن أن هذه الأمثلة والنماذج
سواء في الخشوع، أو في الإخلاص، أو في التوكل، أو في التفكر، أو ما
سيأتي في الورع، وما سبق في اليقين، وغير ذلك أن هذه من الأمور التي
لا يمكن الوصول إليها، وأنها بعيدة المنال !! وليس الأمر كذلك بل هي أمور
تحصل للعبد بالمجاهدة، ولهذا يقول محمد بن المنكدر' كابدت الصلاة عشرين
سنة وتلذذت بها عشرين سنة ' هذا آخر الكلام عن الخشوع.
السلف والخشوع:
وكان عبد الله بن الزبير يسجد، فيأتي المنجنيق، فيصيب ثوبه، ولربما أصاب
طرف ثوبه، وهو لا يتحرك في صلاته، ولا يرفع رأسه، ولا يلتفت . ودخل
عليه رجل بيته، فإذا به يصلي، فسقطت حية على ابنه هاشم، فصاحوا:
الحية! الحية! ثم قتلوها، وما قطع صلاته، ولما سئل بعد الصلاة قال:
' ما شعرت بشيء من ذلك'. ويقول ثابت البناني: كنت أمر بابن الزبير وهو
خلف المقام يصلي كأنه خشبه منصوبة لا تتحرك. ووصفة بعضهم إذا صلى
كأنه عود من الخشوع، وكان يسجد، فلربما نزل الطير على ظهره تحسبه
الطيور جذع حائط . وصلى يوماً في الحجر، فجاء حجر من المنجنيق،
فضرب ثوبه فما انفتل، وما تحرك وما التفت . وذلك في حصار
الحجاج للكعبة.
وكان مسلمة بن بشار في المسجد فانهدمت طائفة من المسجد، فقام الناس
ولم يشعر أن أسطوانة المسجد قد انهدمت !! وهذا يعقوب الحضرمي لم يُر
في زمانه مثله، بلغ من زهده أنه سُرق رداؤه عن كتفه وهو في الصلاة،
ورُد إليه ولم يشعر.
محي الليل صلاة لا يقطعها إلا بدمع من الإنشغاق منســـجمِ
مسبحاً لك جنح الليل محتملاً ضراً من السهد أو ضراً من الورمِ
رضية نفسه لا تشتكي سأما وما على الحب إن أخلصت من سأمِ
وهذا محمد بن إسماعيل البخاري ذُكر في قصته وترجمته أنه خرج مع قوم
إلى حائط مزرعة، فقام يصلي بالناس الظهر، فلما فرغ قام يتطوع، فلما فرغ
من تطوعه رفع ثوبه وقال لبعض من معه: انظروا هل ترون تحت قميصي
شيئاً؟ فإذا زنبور قد أبره في ستة عشر، أو سبعة عشر موضعاً، وتورم ذلك
من جسده، فقال له بعض القوم:كيف لم تخرج من الصلاة في أول ذلك؟.قال:
كنت في سورة فأحببت أن أتمها . وهذا محمد بن يعقوب الأخرم يقول:
ما رأينا أحسن صلاة من صلاة محمد بن نصر- يعني المروزي- كان الذباب
يقع على بدنه – يعني الزنبور – ولا يذبه عن نفسه، ولقد كنا نتعجب من
حسن صلاته وخشوعه وهيبته للصلاة، كان يضع ذقنه على صدره، فينتصب
كأنه خشبه مسنودة. ووصفه آخر يقول: رأيت محمد بن نصر ما رأيت أحسن
صلاة منه، ولقد بلغني أن زنبوراً قعد على جبهته، فسال الدم على وجهه،
ولم يتحرك .
وكان كرز بن وبرة إذا دخل في الصلاة لا يرفع طرفه يمنة ولا يسرة، وكان
من المخبتين، وربما كُلم خارج الصلاة فلا يُجيب إلا بعد مدة من شدة
استغراقه في التفكير . يقول الذهبي رحمة الله -معلقاً على ذلك-: هكذا كان
زهاد السلف، وعبادهم، أصحاب خوف وخشوع وتعبد . ووقع حريق في بيت
على بن الحسين، وهو ساجد، فجعلوا يقولون: يا ابن رسول الله النار..النار،
فما رفع رأسه حتى أطفأت، فقيل له في ذلك فقال:' ألهتني عنها النار الأخرى
' . وكان مسلم بن يسار يقول لأهله إذا دخل في صلاته:'تحدثوا فلست
أسمع حديثكم'.
هذه نماذج من رجال السلف، وحينما أذكر أشياء من ذلك إنما أذكر ما قرب
منه، وأما الأمور التي قد تنبو عنها الأسماع، ولا تدركها كثير من العقول؛
فإني أتجاوز ذلك أجمع، ومع ذلك كثير منا يظن أن هذه الأمثلة والنماذج
سواء في الخشوع، أو في الإخلاص، أو في التوكل، أو في التفكر، أو ما
سيأتي في الورع، وما سبق في اليقين، وغير ذلك أن هذه من الأمور التي
لا يمكن الوصول إليها، وأنها بعيدة المنال !! وليس الأمر كذلك بل هي أمور
تحصل للعبد بالمجاهدة، ولهذا يقول محمد بن المنكدر' كابدت الصلاة عشرين
سنة وتلذذت بها عشرين سنة ' هذا آخر الكلام عن الخشوع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق