هكذا عوّدني أبي على الصلاة
قديمًا، أدرك المفكرون والمربون والأدباء أهمية نشأة الطفل وأثر ذلك على
شخصيته عندما يكبر، ولذلك كتبوا في باب التربية كثيرًا من الحكم، فمنهم
من قال ملخصًا الحكاية: "من شبَّ على شيءٍ شاب عليه"، و تغنى كثير
من الشعراء في إبانة أثر المربي، ولعل ما أشتهر في ذلك الباب ذلك البيت
المنسوب لابن التعاويذي حين قال: إذا كانَ ربُّ البيتِ بالدفِّ ضاربًا..
فشيمةُ أهلِ البيتِ كلِّهمُ الرقصُ.
ومما سبق نرى تنبيهًا هامًا لكل إنسان، فالطفل لا يولد عابدًا مفكرًا ولا فاسقًا
أبلهًا، ولكنَّ السرَّ كلُّهُ فيما علَّمهُ أبواه. والتربية هي أهم عمل قد يقوم به
الوالد في حياته، وتعويد ولده على العبادات هو الجزء الأكثر مشقة فيها.
الصلاة، هي الجزء الأهم في حياة كل مسلم، وقد ورد في أحاديث النبي
صلى الله عليه وسلم عن أهميتها، بل وشدّدَ على ذلك حين وافته المنية
"الأطفال -بطبعهم- سريعو الملل، وهم دائمو الرغبة في الإثارة والتجديد،
كما أن الواحد منهم قد يكسل عن أداء العمل أحيانًا، بل ربما تنتابه
في بعض الأوقات حالات من التمرد.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه:
"كان آخر كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين حضرته الوفاة:
الصلاة، الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، فما زال رسول الله –
صلى الله عليه وسلم- يقولها حتى جعل يغرغر بها في صدره،
وما يفيض بها لسانه"، والآن بعدما أدركنا قيمة التربية بشكل عام،
وأهمية الصلاة بشكل خاص-وهي ما سأتحدث عنه في تجربتي- يقفز في
ذهننا سريعًا سؤال هام، كيف نعلم الطفل الصلاة حتى يكبر وقد أدرك
قيمتها وحرص عليها؟
الحقيقة، إن أصعب ما يمكن أن يتربى عليه الطفل هو العبادة، لأن العبادات –
وكذلك كُلُّ ما فُرض علينا- ثقيلة تحتاج إلى مجاهدة، وذلك ما قاله الله تعالى
في كتابه الجليل:
{ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا }،
وبالتالي، فإنَّ تعليم الطفل تلك العبادة ليس يسيرًا، خصوصًا مع ميلهِ الفطري
إلى اللعب، وعدم وإدراكه قيمة تلك العبادة عند السنة السابعة من عمره.
وهنا دور المربي؛ وللمربي الناجح صفات، منها أن يبني بينه وبين ولده
مزيج من الهيبة والحب، والمهابة لا تعني القسوة، بل هي أعلى درجات
الحب، فربما كانت النظرة تكفي عن ألف ضربة سوط، ولو كانت الهيبة
هي القسوة لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أضعف الناس!
ولكن يجب أن يكون لينًا غير فظ، يقبل النقد ويشاور الطفل وينزل بفكره إلى
عالمه حتى يخلق بينه وبينه رابطة لا تنكسر من الحب والاحترام،
وسبحان من قال لخير الورى:
{ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ }
ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو أكمل البشر-
فظًا قاسيًا لما قامت دعوته، فكيف لنا أن نكون كذلك؟!
فكيف نتعامل؟
في كتاب هكذا رباني جدي علي الطنطاوي، لحفيدة الشيخ عابدة المؤيد العظم
قالت: "الأطفال -بطبعهم- سريعو الملل، وهم دائمو الرغبة في الإثارة
والتجديد، كما أن الواحد منهم قد يكسل عن أداء العمل أحيانًا، بل ربما تنتابه
في بعض الأوقات حالات من التمرد يكون فيها مستعدا لتقبل العقاب
مقابل التهرب من تقديم الجهد وتجنبّ تنفيذ العمل المطلوب!"
وتحدثت بعد ذلك عن طرق التشجيع التي استخدمها عندم يتم أحدهم عمل ما،
من مكافآت مادية إلى شهادات تقدير مكتوبة للطفل إذا أتم مثلا الخمس
صلوات، أو لصومه يومًا كاملًا في رمضان، وقد تركت هذه الشهادات –
كما قالت- أثرًا بالغًا: "وكان لها معنى عميقا يشعر معه من يتلقاها بالفخر
والاعتزاز، حتى لأعرف شهادات ما زال أصحابها -من الأحفاد- يحتفظون
بها ويقدرونها كل التقدير وقد مضى على منحها لهم قرابة ربع قرن وغدوا
كبارًا يافعين دون أن ينسوا لذة استلامها ومتعة الفوز بها!"
بدأ أبي يترك عيادته الخاصة عند وقت كل صلاة ويأتي إلي مباشرة هناك،
دون صوت عال أو حتى نظرة عتاب تعلو وجهه، يتبسم ويأخذ بيدي
حتى نصلي ثم يتركني أعود هناك ويذهب إلى عمله مجددًا.
وللأسف، البعض يعتقد أنه بفرض الصلاة على الطفل بالتهديد والعقاب، فذلك
سيجعله محبًا لها مداومًا عليها، وكأن العقاب يفيد في شيء!. ومما رأيته
وقد أكَّد لي أن القسوة لا تنفع بل تضر، ما كان من عقاب الوالد الشديد لطفل
صغير! كنت ذاهبًا إلى المسجد بعدما أُقيمت الصلاة -لا أذكر متى- ولكن
المشهد صاحبني حتى يومنا هذا! كان الوالد يضرب ولده الصغير-ربما كان
في العاشرة أو أكبر قليلًا- عندما وجده مستمرًا في اللعب والصلاة قائمة!
بعد بضع سنوات، شاهدت ذلك الفتى وقد تمرد على كل شيء، على أبيه،
على العادات، حتى على الصلاة!
منذ تلك اللحظة أدركت قيمة ما فعله أبي معي، وكيف عوَّدني على الصلاة،
فقد كان أبي حريصًا شديد الحرص عليها، وبذل في تعليمي السبل الكثيرة
من المتابعة، والترغيب، واللين، حتى شعرت أنا بقيمتها في مرة، من حينها
داومت على الصلاة. كنت في السنة الثانية من المرحلة الإعدادية، كباقي من
هم في مثل سني أذهب يوميًا إلى صالات الحاسب الآلي للّعب، بل وكنت أفرُّ
من المدرسة وأذهب هناك بدلاً منها! وكلما رآني أبي سألني عن صلاتي،
فإذا لم أكن صليت أمرني بالصلاة.
بعدها بفترة لاحظ تتابع ذهابي إلى ذلك المكان، وتفويتي لأوقات الصلاة،
ولكن لم يعاقبني، بل أدرك الحقيقة الثابتة: "حب الطفل للعب واستثقاله
للعبادات"، لذلك بدأ أبي يترك عيادته الخاصة عند وقت كل صلاة ويأتي إلي
مباشرة هناك، دون صوت عال أو حتى نظرة عتاب تعلو وجهه، يتبسم
ويأخذ بيدي حتى نصلي ثم يتركني أعود هناك ويذهب إلى عمله مجددًا، بكل
بساطة! وعندما علم أني لا أذهب سوى إلى ذلك المكان دونًا عن غيره، قال
له: عند كل صلاة قل له قم إلى الصلاة واترك حاسوبه يعمل حتى يعود،
وأنا سأدفع لك!
عندها، صرت مع كل صلاة أقوم لأصلي ثم أعود فأكمل، حتى اعتدت أنا على
ذلك، وأدركت أن الصلاة واجب لا يجب عليّ تأخيره. بكل بساطة استطاع أبي
أن يزرع فيّ حبها بلا خوف، شجّعني وكافأني كلما قمت بصلاتي، حتى
أصبحت لي عادة لا يستقيم يومي من غيرها. إن الأطفال أذكياء، ربما أذكى
مما نتوقع نحن، وذاكرتهم أقوى مما نتخيل، العقاب لا يُمحى منها، بل يولد
في النفس كرهًا وحقدًا، أما اللين فيزرع فيها ورودًا من الحب والطموح.
وكلما آذيناهم، كلما فروا بالطرق الملتوية إلى الهروب، بالكذب والخداع،
وأقصى ما قد يحدث، هو أن يفقد الثقة في والده. فمن أراد أن يعلم ولده
الصلاة، فعليه أن يكون قدوة له، صابرًا عليه حتى تصير جزء لا يتجزّأ
من روحه، وصدق قول أبي العلاء المعري:
وينشأُ ناشئُ الفتيانِ منَّا..
على ما كانَ عوَّدَهُ أبوهُ
وما دانَ الفتى بحِجًا، ولكن..
يُـعلِّمهُ التديـنَ أقربوهُ
وفي نهاية ما كتبت أقول لأبي بكل حب:
أنتَ الذي من أجل فرحتنا شقى ..
لم أستمعْ أبداً لذاكَ عويلا
قدْ كانَ همُكَ أن أكونَ بمسجدٍ ..
ما كانَ للوتدِ القويِّ بديلا
رغمَ الفسادِ بعيشنا علمتني ..
الدينُ في الظلماتِ كانَ دليلا
أنتَ الذي في شدتي قدْ قلتها ..
كنْ للكتابِ مُرتلاً ترتيلا
نظمُ القصيدةِ في مديحكِ ينحني ..
هل يبلغُ القزمُ الصغيرُ نخيلا؟!
سأقولُ من قلبي بأنكَّ نعمتي ..
وسأشكرُ الرحمنَ فيك طويلا
غفر الله لأبي كل ذنب، وجعله ممن طال عمره
وحسن عمله، وجازاه عنَّا خير الجزاء.
قديمًا، أدرك المفكرون والمربون والأدباء أهمية نشأة الطفل وأثر ذلك على
شخصيته عندما يكبر، ولذلك كتبوا في باب التربية كثيرًا من الحكم، فمنهم
من قال ملخصًا الحكاية: "من شبَّ على شيءٍ شاب عليه"، و تغنى كثير
من الشعراء في إبانة أثر المربي، ولعل ما أشتهر في ذلك الباب ذلك البيت
المنسوب لابن التعاويذي حين قال: إذا كانَ ربُّ البيتِ بالدفِّ ضاربًا..
فشيمةُ أهلِ البيتِ كلِّهمُ الرقصُ.
ومما سبق نرى تنبيهًا هامًا لكل إنسان، فالطفل لا يولد عابدًا مفكرًا ولا فاسقًا
أبلهًا، ولكنَّ السرَّ كلُّهُ فيما علَّمهُ أبواه. والتربية هي أهم عمل قد يقوم به
الوالد في حياته، وتعويد ولده على العبادات هو الجزء الأكثر مشقة فيها.
الصلاة، هي الجزء الأهم في حياة كل مسلم، وقد ورد في أحاديث النبي
صلى الله عليه وسلم عن أهميتها، بل وشدّدَ على ذلك حين وافته المنية
"الأطفال -بطبعهم- سريعو الملل، وهم دائمو الرغبة في الإثارة والتجديد،
كما أن الواحد منهم قد يكسل عن أداء العمل أحيانًا، بل ربما تنتابه
في بعض الأوقات حالات من التمرد.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه:
"كان آخر كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين حضرته الوفاة:
الصلاة، الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، فما زال رسول الله –
صلى الله عليه وسلم- يقولها حتى جعل يغرغر بها في صدره،
وما يفيض بها لسانه"، والآن بعدما أدركنا قيمة التربية بشكل عام،
وأهمية الصلاة بشكل خاص-وهي ما سأتحدث عنه في تجربتي- يقفز في
ذهننا سريعًا سؤال هام، كيف نعلم الطفل الصلاة حتى يكبر وقد أدرك
قيمتها وحرص عليها؟
الحقيقة، إن أصعب ما يمكن أن يتربى عليه الطفل هو العبادة، لأن العبادات –
وكذلك كُلُّ ما فُرض علينا- ثقيلة تحتاج إلى مجاهدة، وذلك ما قاله الله تعالى
في كتابه الجليل:
{ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا }،
وبالتالي، فإنَّ تعليم الطفل تلك العبادة ليس يسيرًا، خصوصًا مع ميلهِ الفطري
إلى اللعب، وعدم وإدراكه قيمة تلك العبادة عند السنة السابعة من عمره.
وهنا دور المربي؛ وللمربي الناجح صفات، منها أن يبني بينه وبين ولده
مزيج من الهيبة والحب، والمهابة لا تعني القسوة، بل هي أعلى درجات
الحب، فربما كانت النظرة تكفي عن ألف ضربة سوط، ولو كانت الهيبة
هي القسوة لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أضعف الناس!
ولكن يجب أن يكون لينًا غير فظ، يقبل النقد ويشاور الطفل وينزل بفكره إلى
عالمه حتى يخلق بينه وبينه رابطة لا تنكسر من الحب والاحترام،
وسبحان من قال لخير الورى:
{ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ }
ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو أكمل البشر-
فظًا قاسيًا لما قامت دعوته، فكيف لنا أن نكون كذلك؟!
فكيف نتعامل؟
في كتاب هكذا رباني جدي علي الطنطاوي، لحفيدة الشيخ عابدة المؤيد العظم
قالت: "الأطفال -بطبعهم- سريعو الملل، وهم دائمو الرغبة في الإثارة
والتجديد، كما أن الواحد منهم قد يكسل عن أداء العمل أحيانًا، بل ربما تنتابه
في بعض الأوقات حالات من التمرد يكون فيها مستعدا لتقبل العقاب
مقابل التهرب من تقديم الجهد وتجنبّ تنفيذ العمل المطلوب!"
وتحدثت بعد ذلك عن طرق التشجيع التي استخدمها عندم يتم أحدهم عمل ما،
من مكافآت مادية إلى شهادات تقدير مكتوبة للطفل إذا أتم مثلا الخمس
صلوات، أو لصومه يومًا كاملًا في رمضان، وقد تركت هذه الشهادات –
كما قالت- أثرًا بالغًا: "وكان لها معنى عميقا يشعر معه من يتلقاها بالفخر
والاعتزاز، حتى لأعرف شهادات ما زال أصحابها -من الأحفاد- يحتفظون
بها ويقدرونها كل التقدير وقد مضى على منحها لهم قرابة ربع قرن وغدوا
كبارًا يافعين دون أن ينسوا لذة استلامها ومتعة الفوز بها!"
بدأ أبي يترك عيادته الخاصة عند وقت كل صلاة ويأتي إلي مباشرة هناك،
دون صوت عال أو حتى نظرة عتاب تعلو وجهه، يتبسم ويأخذ بيدي
حتى نصلي ثم يتركني أعود هناك ويذهب إلى عمله مجددًا.
وللأسف، البعض يعتقد أنه بفرض الصلاة على الطفل بالتهديد والعقاب، فذلك
سيجعله محبًا لها مداومًا عليها، وكأن العقاب يفيد في شيء!. ومما رأيته
وقد أكَّد لي أن القسوة لا تنفع بل تضر، ما كان من عقاب الوالد الشديد لطفل
صغير! كنت ذاهبًا إلى المسجد بعدما أُقيمت الصلاة -لا أذكر متى- ولكن
المشهد صاحبني حتى يومنا هذا! كان الوالد يضرب ولده الصغير-ربما كان
في العاشرة أو أكبر قليلًا- عندما وجده مستمرًا في اللعب والصلاة قائمة!
بعد بضع سنوات، شاهدت ذلك الفتى وقد تمرد على كل شيء، على أبيه،
على العادات، حتى على الصلاة!
منذ تلك اللحظة أدركت قيمة ما فعله أبي معي، وكيف عوَّدني على الصلاة،
فقد كان أبي حريصًا شديد الحرص عليها، وبذل في تعليمي السبل الكثيرة
من المتابعة، والترغيب، واللين، حتى شعرت أنا بقيمتها في مرة، من حينها
داومت على الصلاة. كنت في السنة الثانية من المرحلة الإعدادية، كباقي من
هم في مثل سني أذهب يوميًا إلى صالات الحاسب الآلي للّعب، بل وكنت أفرُّ
من المدرسة وأذهب هناك بدلاً منها! وكلما رآني أبي سألني عن صلاتي،
فإذا لم أكن صليت أمرني بالصلاة.
بعدها بفترة لاحظ تتابع ذهابي إلى ذلك المكان، وتفويتي لأوقات الصلاة،
ولكن لم يعاقبني، بل أدرك الحقيقة الثابتة: "حب الطفل للعب واستثقاله
للعبادات"، لذلك بدأ أبي يترك عيادته الخاصة عند وقت كل صلاة ويأتي إلي
مباشرة هناك، دون صوت عال أو حتى نظرة عتاب تعلو وجهه، يتبسم
ويأخذ بيدي حتى نصلي ثم يتركني أعود هناك ويذهب إلى عمله مجددًا، بكل
بساطة! وعندما علم أني لا أذهب سوى إلى ذلك المكان دونًا عن غيره، قال
له: عند كل صلاة قل له قم إلى الصلاة واترك حاسوبه يعمل حتى يعود،
وأنا سأدفع لك!
عندها، صرت مع كل صلاة أقوم لأصلي ثم أعود فأكمل، حتى اعتدت أنا على
ذلك، وأدركت أن الصلاة واجب لا يجب عليّ تأخيره. بكل بساطة استطاع أبي
أن يزرع فيّ حبها بلا خوف، شجّعني وكافأني كلما قمت بصلاتي، حتى
أصبحت لي عادة لا يستقيم يومي من غيرها. إن الأطفال أذكياء، ربما أذكى
مما نتوقع نحن، وذاكرتهم أقوى مما نتخيل، العقاب لا يُمحى منها، بل يولد
في النفس كرهًا وحقدًا، أما اللين فيزرع فيها ورودًا من الحب والطموح.
وكلما آذيناهم، كلما فروا بالطرق الملتوية إلى الهروب، بالكذب والخداع،
وأقصى ما قد يحدث، هو أن يفقد الثقة في والده. فمن أراد أن يعلم ولده
الصلاة، فعليه أن يكون قدوة له، صابرًا عليه حتى تصير جزء لا يتجزّأ
من روحه، وصدق قول أبي العلاء المعري:
وينشأُ ناشئُ الفتيانِ منَّا..
على ما كانَ عوَّدَهُ أبوهُ
وما دانَ الفتى بحِجًا، ولكن..
يُـعلِّمهُ التديـنَ أقربوهُ
وفي نهاية ما كتبت أقول لأبي بكل حب:
أنتَ الذي من أجل فرحتنا شقى ..
لم أستمعْ أبداً لذاكَ عويلا
قدْ كانَ همُكَ أن أكونَ بمسجدٍ ..
ما كانَ للوتدِ القويِّ بديلا
رغمَ الفسادِ بعيشنا علمتني ..
الدينُ في الظلماتِ كانَ دليلا
أنتَ الذي في شدتي قدْ قلتها ..
كنْ للكتابِ مُرتلاً ترتيلا
نظمُ القصيدةِ في مديحكِ ينحني ..
هل يبلغُ القزمُ الصغيرُ نخيلا؟!
سأقولُ من قلبي بأنكَّ نعمتي ..
وسأشكرُ الرحمنَ فيك طويلا
غفر الله لأبي كل ذنب، وجعله ممن طال عمره
وحسن عمله، وجازاه عنَّا خير الجزاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق