شرح الدعاء (75)
{رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا}: للآية معنيان:
¬
الأول: جاء عن مجاهد أنه قال:
(لا تعذبنا بأيديهم، ولا بعذاب من عندك، فيقولوا:
لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا)¬ .
المعنى الثاني: ما جاء عن قتادة أنه قال: (يقول: لا تظهرهم علينا فيُفتنوا
بذلك، يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحقٍّ هم عليه)¬، والآية تحتمل هذين
المعنيين؛ لأن القاعدة في تفسير كتاب اللَّه تقول: (إذا احتمل اللفظ معاني
عدّة، ولم يمتنع إرادة الجميع حمل عليها)¬، فتضمن هذا الدعاء المبارك
سؤال اللَّه السلامة في الدين والدنيا.
وهذا المقصد العظيم كان من سؤال المصطفى صلى الله عليه وسلم :
(... ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ...)¬،
والفتنة في الدين هي أخطر وأصعب الفتن، والعياذ باللَّه .
كما قال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}¬، {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}¬.
أي أن فتنة المسلم عن دينه حتى يرجع إلى الكفر بعد إيمانه
أكبر عند اللَّه من القتل، وإزهاق النفس.
وقولهم: {وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا}: بعد أن سألوا اللَّه تعالى أن يصلح لهم دينهم
في معاشهم، سألوه تعالى ما يصلح لهم أمورهم في آخرتهم: أي:
واستر ذنوبنا فيما بيننا وبين غيرك، وتجاوز عنها فيما بيننا وبينك.
(وفي تكرار النداء بقولهم: {رَبَّنَا} إظهار للمبالغة في التضرع مع كل
دعوة من الدعوات الثلاث)¬، وهذا يدلّ على شدّة إخلاصهم في دينهم،
وكثرة توسّلهم إلى اللَّه تعالى في مطلوبهم.
{إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}: ثم بيّنوا علّة سؤالهم له تبارك وتعالى تأكيداً
وتحقيقاً بأنه تعالى هو: {الْعَزِيزُ}: الغالب الذي لا يُغلب،
ولا يُذلُّ من لاذ بجنابه جلّ وعلا.
{الْحَكِيمُ}: أي أنت الحكيم في أقوالك، وأفعالك، وشرعك، وقدرك، فتضع
الأشياء في محلها، (واقتران العزيز بالحكيم يدلّ على كمال آخر غير
كمال كل اسم بمفرده، وذلك: أن عزته جلّ وعلا مقرونة بالحكمة،
فلا تقتضي ظلماً وجوراً وسوءاً، كما في المخلوقين قد تأخذه العزّة بالإثم
فيظلم، وكذلك حكمه تعالى وحكمته مقرونة بالعزّ الكامل، بخلاف
المخلوق، فإن حكمته قد يعتريها الذل)¬.
ثم كرَّر سبحانه وتعالى الحثَّ على التأسِّي بهم، فقال:
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} للمبالغة في التأسِّي بهم في أفعالهم،
وأقوالهم، ودعائهم.
ثم قال: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّه وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}
تهييج من اللَّه للمؤمنين باللَّه تعالى واليوم الآخر
إلى الاقتداء والتأسِّي بهم .
الفوائد:
في هذه الدعوات فوائد كثيرة، منها:
1- أهمية التوسّل إلى اللَّه تعالى بالعمل الصالح،
وهو من موجبات إجابة الدعاء.
2 – تذييل الدعاء باسم يناسب المطلوب،دلّ على ذلك ختمهم باسم
(العزيز الحكيم) .
3 – أهمية سؤال اللَّه تعالى المغفرة، كما في غالب الأدعية القرآنية،
والسنة النبوية؛ لما فيها من إزالة كل مرهوب .
4 – أهمية تقديم الأهم في الدعاء، كما جاء في سؤالهم العصمة،
والنجاة من المفسدين لدينهم، وعقيدتهم .
5 – أهمية تكرير التوسل بربوبية اللَّه تعالى المؤذن للإجابة، والقبول،
والعناية، والحفظ؛ لأنّ ربوبية اللَّه عز وجل ربوبيتان: عامة، وخاصة،
فالعامة لجميع الخلائق، والخاصة لخواصّ خلقه من المؤمنين، فهم
يسألون هذه الربوبية التي تقتضي ما ذكر من العناية؛ ولهذا كانت أغلب
أدعية القرآن مصدّرة بالتوسل إلى اللَّه بربوبيته؛ لأنها أعظم الوسائل على
الإطلاق، التي تحصل بها المحبوبات، وتندفع لها المكروهات¬.
6 – أن الدعاء سلاح الأنبياء، والمؤمنين في كل أحوالهم .
7 – التوسل إلى اللَّه تعالى بأكثر من توسل، وهو آكد في حصول
الإجابة، دلّ على ذلك أنهم جمعوا بين توسلين:
أ- توسلهم بأعمالهم الصالحة.
ب – وتوسلهم بأسمائه تعالى الحسنى: (ربنا، العزيز، الحكيم).
8 – أن العبد لا غنى له عن ربه عز وجل طرفة عين، وأنه هو ملجأه،
وملاذه في الشدائد والمصائب، وكل الأحوال .
9 – ينبغي لكل داع أن يخصّ في دعواته سؤال ربه تعالى السلامة
من الفتن في الدين؛ لأنها أشد الفتن والمصائب .
10 – أهمية معرفة مسالك العلّة التي جاءت في الكتاب والسنة حيث
إنها تعين في معرفة معاني كتاب اللَّه تعالى، وسنة المصطفى
صلى الله عليه وسلم وما حوى من الأدعية الكريمة، كما في هذه الآية،
فقوله:
{إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
علّلوا دعوتهم, أي ما دعوناك إلا لأنك أنت العزيز الذي تُعزّ من تشاء،
فنسألك من عزتك التي لا ترام أن تعزَّنا، وتنصرنا على هؤلاء الكفرة
الفجرة؛ ولأنك حكيم، فحكمتك تمنع أن تكون النصرة للكافرين
على المؤمنين.
11– أهمية التوكل، دلّ على ذلك تصديرهم به؛ لأنه من توكل على اللَّه
فقد كفاه ما يهمّه، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه فَهُوَ حَسْبُهُ}.
12 – ينبغي للداعي معرفة معاني أسماء اللَّه الحسنى، وصفاته العلا
حتى يتوسل بما يناسب مطلوبه.
{رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا}: للآية معنيان:
¬
الأول: جاء عن مجاهد أنه قال:
(لا تعذبنا بأيديهم، ولا بعذاب من عندك، فيقولوا:
لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا)¬ .
المعنى الثاني: ما جاء عن قتادة أنه قال: (يقول: لا تظهرهم علينا فيُفتنوا
بذلك، يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحقٍّ هم عليه)¬، والآية تحتمل هذين
المعنيين؛ لأن القاعدة في تفسير كتاب اللَّه تقول: (إذا احتمل اللفظ معاني
عدّة، ولم يمتنع إرادة الجميع حمل عليها)¬، فتضمن هذا الدعاء المبارك
سؤال اللَّه السلامة في الدين والدنيا.
وهذا المقصد العظيم كان من سؤال المصطفى صلى الله عليه وسلم :
(... ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ...)¬،
والفتنة في الدين هي أخطر وأصعب الفتن، والعياذ باللَّه .
كما قال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}¬، {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}¬.
أي أن فتنة المسلم عن دينه حتى يرجع إلى الكفر بعد إيمانه
أكبر عند اللَّه من القتل، وإزهاق النفس.
وقولهم: {وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا}: بعد أن سألوا اللَّه تعالى أن يصلح لهم دينهم
في معاشهم، سألوه تعالى ما يصلح لهم أمورهم في آخرتهم: أي:
واستر ذنوبنا فيما بيننا وبين غيرك، وتجاوز عنها فيما بيننا وبينك.
(وفي تكرار النداء بقولهم: {رَبَّنَا} إظهار للمبالغة في التضرع مع كل
دعوة من الدعوات الثلاث)¬، وهذا يدلّ على شدّة إخلاصهم في دينهم،
وكثرة توسّلهم إلى اللَّه تعالى في مطلوبهم.
{إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}: ثم بيّنوا علّة سؤالهم له تبارك وتعالى تأكيداً
وتحقيقاً بأنه تعالى هو: {الْعَزِيزُ}: الغالب الذي لا يُغلب،
ولا يُذلُّ من لاذ بجنابه جلّ وعلا.
{الْحَكِيمُ}: أي أنت الحكيم في أقوالك، وأفعالك، وشرعك، وقدرك، فتضع
الأشياء في محلها، (واقتران العزيز بالحكيم يدلّ على كمال آخر غير
كمال كل اسم بمفرده، وذلك: أن عزته جلّ وعلا مقرونة بالحكمة،
فلا تقتضي ظلماً وجوراً وسوءاً، كما في المخلوقين قد تأخذه العزّة بالإثم
فيظلم، وكذلك حكمه تعالى وحكمته مقرونة بالعزّ الكامل، بخلاف
المخلوق، فإن حكمته قد يعتريها الذل)¬.
ثم كرَّر سبحانه وتعالى الحثَّ على التأسِّي بهم، فقال:
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} للمبالغة في التأسِّي بهم في أفعالهم،
وأقوالهم، ودعائهم.
ثم قال: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّه وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}
تهييج من اللَّه للمؤمنين باللَّه تعالى واليوم الآخر
إلى الاقتداء والتأسِّي بهم .
الفوائد:
في هذه الدعوات فوائد كثيرة، منها:
1- أهمية التوسّل إلى اللَّه تعالى بالعمل الصالح،
وهو من موجبات إجابة الدعاء.
2 – تذييل الدعاء باسم يناسب المطلوب،دلّ على ذلك ختمهم باسم
(العزيز الحكيم) .
3 – أهمية سؤال اللَّه تعالى المغفرة، كما في غالب الأدعية القرآنية،
والسنة النبوية؛ لما فيها من إزالة كل مرهوب .
4 – أهمية تقديم الأهم في الدعاء، كما جاء في سؤالهم العصمة،
والنجاة من المفسدين لدينهم، وعقيدتهم .
5 – أهمية تكرير التوسل بربوبية اللَّه تعالى المؤذن للإجابة، والقبول،
والعناية، والحفظ؛ لأنّ ربوبية اللَّه عز وجل ربوبيتان: عامة، وخاصة،
فالعامة لجميع الخلائق، والخاصة لخواصّ خلقه من المؤمنين، فهم
يسألون هذه الربوبية التي تقتضي ما ذكر من العناية؛ ولهذا كانت أغلب
أدعية القرآن مصدّرة بالتوسل إلى اللَّه بربوبيته؛ لأنها أعظم الوسائل على
الإطلاق، التي تحصل بها المحبوبات، وتندفع لها المكروهات¬.
6 – أن الدعاء سلاح الأنبياء، والمؤمنين في كل أحوالهم .
7 – التوسل إلى اللَّه تعالى بأكثر من توسل، وهو آكد في حصول
الإجابة، دلّ على ذلك أنهم جمعوا بين توسلين:
أ- توسلهم بأعمالهم الصالحة.
ب – وتوسلهم بأسمائه تعالى الحسنى: (ربنا، العزيز، الحكيم).
8 – أن العبد لا غنى له عن ربه عز وجل طرفة عين، وأنه هو ملجأه،
وملاذه في الشدائد والمصائب، وكل الأحوال .
9 – ينبغي لكل داع أن يخصّ في دعواته سؤال ربه تعالى السلامة
من الفتن في الدين؛ لأنها أشد الفتن والمصائب .
10 – أهمية معرفة مسالك العلّة التي جاءت في الكتاب والسنة حيث
إنها تعين في معرفة معاني كتاب اللَّه تعالى، وسنة المصطفى
صلى الله عليه وسلم وما حوى من الأدعية الكريمة، كما في هذه الآية،
فقوله:
{إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
علّلوا دعوتهم, أي ما دعوناك إلا لأنك أنت العزيز الذي تُعزّ من تشاء،
فنسألك من عزتك التي لا ترام أن تعزَّنا، وتنصرنا على هؤلاء الكفرة
الفجرة؛ ولأنك حكيم، فحكمتك تمنع أن تكون النصرة للكافرين
على المؤمنين.
11– أهمية التوكل، دلّ على ذلك تصديرهم به؛ لأنه من توكل على اللَّه
فقد كفاه ما يهمّه، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه فَهُوَ حَسْبُهُ}.
12 – ينبغي للداعي معرفة معاني أسماء اللَّه الحسنى، وصفاته العلا
حتى يتوسل بما يناسب مطلوبه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق