نبوءة النبي: يسمونها بغير اسمها
تمتد الحرب الأزلية بين الخير والشر، بين أهل الفضيلة وأهل الرذيلة، بين
الشيطان وبني آدم، وتتطور الأساليب والحيل الشيطانية لتخدم استراتيجية
هذه الحرب وأهدافها، فهي حرب حقيقية ليست مجازية، والشيطان قد
خاض كثيرًا من الحروب على مر الأزمنة وصار خبيرًا بطبائع بني آدم
متفننًا في طُرق إغوائهم وإغراقهم في الفساد والهلاك ليشاركوه مصيره
المحتوم وسُكناه المُلتهب الذي وُعد به.
لكن كلام الله عز وجل الذي أنزله في كتابه والأحاديث التي وردت عن
لسان النبي صلى الله عليه وسلم فيها من التحذير والنهي والزجر والتبيين
والتوضيح ما يجنبنا طرق الشيطان وحيله بحول الله وقوته، والحديث
الذي ندندن حوله في هذه السطور نبوءة للنبي صلى الله عليه وسلم
أخبرنا فيها بحيلة عجيبة من حيل الشيطان وأتباعه في الإضلال ونصب
الفخاخ لبني آدم للوقوع بهم في هاوية سحيقة، فعن أبي مالك الأشعري
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ليشرَبنَّ ناسٌ من أمَّتي الخمرَ يُسمُّونَها بغيرِ اسمِها، يُعزَفُ علَى
رءوسِهِم بالمعازفِ، والمغنِّياتِ، يخسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأرضَ، ويجعَلُ منهمُ
القِرَدةَ والخَنازيرَ"
[أخرجه أبو داود (3688)، وأحمد (22900) مختصرًا،
وابن ماجه (4020) واللفظ له، وصححه الألباني].
حيلة "يسمونها بغير اسمها" قد تبدو حيلة بسيطة، لكنها مُجدية ولا ينكر
نتيجة الإضلال بها إلا مكابر، ففي حملات التسويق كم من أموال يتم
ضخها من أجل التسميات واختيار الشعارات، كم من تزيين هنا وهناك
لأمور عندما يتم معايرتها قد تجدها واحدة لكن المسمى فقط هو الذي
اختلف هو الذي صعد بأحدها وهبط بأخرى، كم من مهرة لمعت أسمائهم
كونهم متميزون فقط في اختيار المسميات، وعلى مر التاريخ كم من أناس
لم يكن لهم شأن بين الناس في المجتمع لولا أنهم قد تم إبرازهم عن
طريق خبث اختيار الشعارات والمسميات، وكم من أناس لو كان تم
إنصافهم بحسن اختيار المسميات لكان حالهم في التاريخ أبرز مما كان.
الحيلة واضحة لكنها مقعرة محدبة في نفس الوقت فعلى وضوحها إلا أن
مفعولها في الأضلال مفعول السحر بمجرد أن يتم التعود عليها، فالنفس
البشرية مهما بلغت من الجفاء والبعد قد يكون في ركنها البعيد بعض
حنين للخير وفي تكوينها بقايا من الخوف بالزجر والترهيب، ولطمس كل
هذا وقطع طريق التأثير عليه فإنه يستلزم البعد عن تأثير "الصدمة"
بوصف كل شيء سيء باسمه الصحيح واستبداله باسم مزركش مزين
يمرر ويسهل السيء حتى يصبح واقعًا فتتشربه القلوب تألف
أن تعيش معه.
وفي نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم اختيار الخمر أم الخبائث، لأنها
تذهب العقل والعقل مناط التكليف فمن تناولها يصبح آلة للشيطان يطيح به
في هوة سحيقة مليئة بكل الموبقات والشرور فكأنه صلى الله عليه وسلم
باختيار ذكرها قصد بها كل الموبقات سواها ضمنًا، والعجيب أن الخمر
تحديدًا كانت أول ما تم التسويق له عن طريق "يسمونها بغير اسمها"
وتم تصنيف الأسماء العديدة له قديمًا وحديثًا.
وهذه الحيلة الشيطانية "يسمونها بغير اسمها" يتم الاعتماد عليها
في تسويق كل معطوب وتجميل كل قبيح كبرمجة عكسية في مواجهة
"يسمونها باسمها" لذا علينا أن نصف كل فعل باسمه الصحيح فلا نقول
عن الخمر مشروب روحي، ولا على من حملت سفاحًا سينجل مازر،
ولا عن الزنا معايشة، ولا على الانحلال والشذوذ حرية، ولا عن الاحتيال
والسرقة هدايا، ولا عن الإلحاد توقف وتفكير، ولا عن هدم الثوابت
والمعلوم من الدين بالضرورة تجديد، ولا عن الاحتلال استعمار،
لابد أن توصف الأفعال باسمها الصحيح لابد أن نعمل وفق البرمجة
الصحيحة "يسمونها باسمها".
الأحد، 9 يناير 2022
نبوءة النبي: يسمونها بغير اسمها
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق