احذروا السحت الذي يؤخذ بسيف الحياء
احذروا السحت الذي يؤخذ بسيف الحياء
كان بعض الفضلاء إذا رأى صديقاً في مطعم يتحاشاه؛ حتى لا يقول له حياء:
"تفضل الطعام"؛ فيوقعه في حرج. وإذا أعجبه قلم أو ساعة أو شيءٌ من أخيه،
لا يثني عليه؛ خشية أن يبادر بقوله: "هو لك هدية"؛ فيأخذها منه بسيف الحياء. وهذا دين الراغبين في أكل الحلال الصافي غير المدنس بسيف الحياء !
ومن قوة الورع للصحابة وتجنبهم السحت الخفي رفضهم لمستحقاتهم المالية الشرعية، كما جاء عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه؛ قَالَ:
سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي. ثُمَّ قَالَ لِي:
«يَا حَكِيمُ! إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ،
وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَاليَدُ
العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى،
وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّه». قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ!
وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لاَ أَرْزَأُ أَحَداً بَعْدَكَ شَيْئاً حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا. فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ
يَدْعُو حَكِيماً إِلَى العَطَاءِ، فَيَأبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ
يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئاً. فَقَالَ عُمَرُ: "إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ،
أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الفَيْءِ فَيَأبَى أَنْ يَأخُذَهُ، فَلَمْ يَرْزَأ حَكِيمٌ أَحَداً
مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى تُوُفِّيَ".
قال ابن حجر الهيتمي: «الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى سَبِيلِ الْحَيَاءِ
مِنْ غَيْرِ رِضَا مِنْهُ بِذَلِكَ لَا يَمْلِكُهُ الْآخِذُ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ فِيهِ إكْرَاهاً بِسَيْفِ الْحَيَاءِ،
فَهُوَ كَالْإِكْرَاهِ بِالسَّيْفِ الْحِسِّيِّ؛ بَلْ كَثِيرُونَ يُقَابِلُونَ هَذَا السَّيْفَ وَيَتَحَمَّلُونَ مِرَارَ
جُرْحِهُ، وَلَا يُقَابِلُونَ الْأَوَّلَ خَوْفاً عَلَى مُرُوءَتِهِمْ وَوَجَاهَتِهِمْ الَّتِي يُؤْثِرُهَا
الْعُقَلَاءُ وَيَخَافُونَ عَلَيْهَا أَتَمَّ الْخَوْفِ».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق