الضوابط الشرعية لموقف المسلم في الفتن (9)
* أما الأمر الثاني فعليك بالتأني يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لأشج عبد القيس:
«إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة ».
والتأنّي خصلة محمودة، ولهذا قال - جل وعلا -:
(ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا.. ).
قال أهل العلم: هذا فيه ذمٌّ للإنسان، حيث كان عجولاً لأن هذه الخصلة
من كانت فيه كان مذموماً بها، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - غير متعجل.
* وأما الأمر الثالث فهو الحلم، والحلم في الفتن وعند تقلب الأحوال محمود
أيما حمد، ومثنىً عليه أيما ثناء لأنه بالحلم يمكن رؤية الأشياء على
حقيقتها، ويمكن بالحلم أن نبصر الأمور على ماهي عليه.
ثبت في « صحيح مسلم » من حديث الليث بن سعد عن موسى
بن عُلًيّ عن أبيه: أن المستورد القرشي وكان عنده عمرو بن العاص –
رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: « تقوم الساعة والروم
أكثر الناس ». قال عمرو بن العاص له للمستورد القرشي -: أبصر ما تقول!
قال: وما لي أن لا أقول ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: إن كان كذلك فلأن
في الروم خصالاً أربعاً: الأولى: أنهم أحلم الناس عند الفتنة. الثانية: أنهم
أسرع الناس إفاقةً بعد مصيبة... وعد الخصال الأربع وزاد عليها خامسة.
قال أهل العلم: هذا الكلام من عمرو بن العاص لا يريد به أن يثني به على
الروم والنصارى الكفرة لا! ولكن ليبين للمسلمين أن بقاء الروم وكونهم
أكثر الناس إلى أن تقوم الساعة لأنهم عند حدوث الفتن هم أحلم الناس
ففيهم من الحلم ما يجعلهم ينظرون إلى الأمور ويعالجونها لأجل أن
لا تذهب أنفسهم، ويذهب أصحابهم.
هذا ما حصل ما قاله السنوسي والأبي في شرحهما على «صحيح مسلم ».
وهذا التنبيه لطيف لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بيَّن أنه لا تقوم الساعة
حتى يكون الروم أكثر الناس لماذا؟!
قال عمرو بن العاص: « لأن فيهم خصالاً أربعاً: الأولى (وهي التي تهمنا من
تلك الخصال): أنهم أحلم الناس عند فتنة » يعني: إذا ظهرت تغير الحال،
وظهرت الفتن فإنهم يحلمون، ولا يعجلون، ولا يغضبون ليقوا أصحابهم
النصارى القتل ويقوهم الفتن لأنهم يعلمون أن الفتنة إذا ظهرت فإنها
ستأتي عليهم فلأ جل تلك الخصلة فيهم بقوا أكثر الناس إلى قيام الساعة.
ولهذا فإننا نعجب أن لا نأخذ بهذه الخصلة التي حمد بها عمرو بن العاص
الروم، وكانت فيهم تلك الخصلة الحميدة ونحن أولى بكل خير عند من
هم سوانا.
الحلم المحمود في الأمر كله..... فإنه يبصر عقل العقل
في الفتنة بحلم وأناته ورفقه، فيدل على تعقله وعلى بصره.
هذا الضابط هو الأول، وهذه القاعدة الأولى التي رعاها أهل السنة
والجماعة عند ظهور الفتن، وعند تقلب الأحوال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق