ايمانيات4
مجهولون في الأرض .. معروفون في السماء !
هم البعيدون عن الأضواء , المكتفون بأضواء قلوبهم , الواثقون من خطاهم كذاك
الطائر في طريقه من أعالى الجبال ليصطاد سمكة تلامس سطح المحيط , لا يضيره
اتجاه الرياح
. نهم دائما يعيشون حولنا , وكأنهم في كوكب - قد لا يرتئيه البعض كوكبا
حسنا للعيش فيه , ربما لنقص مقومات الترف , أو قلة الراحة , أو قله المال
بين ايديهم , إلا انه بالرغم من ذلك فكوكبهم يحوي أسرارا لا يعلمها إلا
قاطنوه , فالأحلام عليه بسيطة , والآمال صالحات , والأرض مساجد , والهوية
طهارة ونقاء , أنهاره دموع من خشية الله , العمل فيه مهمة مقدسة ,
الاستغفار انشودته , والتسبيح تمتماته , والرضا اسمي معاني الفرحة على ارضه
..
إنه ذاك التقي الذي يعيش في الدنيا بجسده , بينما روحه معلقه بالآخرة , يرى
فيها حياته ومماته وخلوده , يري الحلم في اسمى معانيه حينما يكون بعيدا عن
أنظار الناس .
هو من غرس سكينه في قلب الرياء , ومزق رداء الكبر بيدين خشنتين من العمل ,
وسقى نبتة الإخلاص على عينه بدموع الخشية من الله , والرغبة في الجنة ,
والصمود في وجه رياح الفتن العواتي في زمان القابض فيه على دينه كالقابض
على الجمر .
إن الغربة الصالحة في الدنيا لهي من سمات أصحاب القلوب الربانية , وهكذا هم
الربانيون , قلة في مجتمع يموج بالفتن , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَدَأَ
الإِسْلامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى
لِلْغُرَبَاءِ" رواه مسلم
إن استصغار الدنيا في العيون وفي القلوب , وتقليل آثارها من الرغبة في
مباهجها , لهو ذخر من النعم قد وهبها الله للقليلين المجهولين , نعمة قد لا
يحسدهم عليها أحد بل يشفقون عليهم , بينما هم من يشفقون على الناس حيرتهم
وجشعهم الذي يأكل نفوسهم كما يأكل السوس .
الحرية الحقة التي يملأ الشعور بها جنباتهم , لطالما رآها الناس سجنا ,
بينما هي الحرية في اسمى معانيها , حرية العبودية للخالق عز وجل , لا قيود
مزورة تأسره , ولا زخارف تقيده , ولا منالات تختطف أمله , فقط ما يرضي ربه
سبحانه ..
ولا غرو , فالإيمان الساكن في القلوب لا يفصله عنها تقلبات الحياة , وما
يزيد من ارتباطه بالقلب هو ترك كل يُشغل عن الله , كذلك سمات القلوب
الراقية المشرئبة إلى المنازل السامية والجنات العالية , من يتقنون فن
إشباع القلب بالإيمان , ويبدعون في أعمالهم غيظا للشيطان , بينما هم سائرون
خطوة بخطوة على سبيل قائدهم عليه الصلاة والسلام .
الارتباط بالناس والانخراط في المجتمع وعرك الحياة , ومكابدة المشاق طبيعة
الحياة , ولا حياة بغير اجتماع الناس والتآلف معهم ومشاركتهم أفراحهم
وأحزانهم , بل لا حياة للمصلحين إلا بين الناس , يصلحون أنفسهم ومجتمعاتهم
وأوطانهم وأمتهم .
فحياة المؤمن فيها التفاعل والاجتماع والتعاون، لإقامة الخير، قال سبحانه "
وتعاونوا على البر والتقوى" وقال: " وكونوا مع الصادقين" ، وقال صلى الله
عليه وسلم : « المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي
لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم »الترمذي , فالوضع الطبيعي أن يكون
المسلم اجتماعياً مخالطاً لا منعزلاً.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ
فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ
الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ
لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا
فَلْيَعُذْ بِهِ ".رواه البخاري
وجاء في الحديث الذي أخرجه البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رضى
الله عنه ـ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "
يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ، يَتْبَعُ بِهَا
شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ
الْفِتَنِ ".
يقول التابعي وهب بن منبه لمن سأله عن اعتزال الناس : " لا بد لك من الناس
وللناس منك ؛ لك إليهم حوائج ، ولهم إليك حوائج ، ولكن كن فيهم أصم سميعا
أعمى بصيرا سكوتا نطوقا , إني وجدت في حكمة آل داوود : حق على العالم أن لا
يشغل عن أربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحسب فيها نفسه ، وساعة
يفضي فيها إلى إخوانه الذين يصدقونه عيوبه وينصحونه في نفسه ، وساعة يخلو
فيها بين نفسه وبين لذاتها مما يحل ويجمل . فإن هذه الساعة عون لهذه
الساعات ، واستجمام للقلوب ، وفضل ، وبلغة ، وعلى العاقل أن يكون عارفا
بزمانه ، ممسكا بلسانه ، مقبلا على شأنه "
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
بمنكبي ، فقال : كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " أخرجه البخاري .
الاثنين، 7 نوفمبر 2022
ايمانيات4
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق