قال الله تعالى:
{ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ
وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ }
[آل عمران: 133-134].
قال ابن عاشور:
[ الكاظمين الغَيْظ، وكَظْم الغَيْظ: إمسَاكه،
وإخفاؤه حتى لا يظهر عليه،
وهو
مأخوذ من كَظْم القِرْبة إذا مَلَأَها وأمسك فَمَها، قال
المبرِّد:
فهو تمثيلٌ للإمْسَاك مع الامتلاء، ولا شكَّ أنَّ
أقوى القُوَى تأثيرًا على النَّفس
القُوَّة الغَاضِبة، فتشتهي إظهار آثار الغَضَب، فإذا
استطاع إمْسَاك مظاهرها،
مع
الامتلاء منها، دلَّ ذلك على عزيمةٍ راسخةٍ في
النَّفس،
وقهر
الإرادة للشَّهوة، وهذا من أكبر قُوى الأخلاق الفاضلة ]
قال الطِّيبي:
[ وإنَّما حُمِد الكَظْم؛ لأنَّه قَهْر للنَّفس
الأمَّارة بالسُّوء،
ولذلك مدحهم الله- تعالى- بقوله:
{ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ
النَّاسِ }
[آل عمران: 134]،
ومن نهى النَّفس عن هواه، فإنَّ الجنَّة مأواه،
والحور العين جزاءه.
قلت: وهذا الثَّناء الجميل، والجزاء الجزيل إذا
ترتَّب على مجرَّد كَظْم الغَيْظ،
فكيف
إذا انضَمَّ العَفو إليه، أو زاد بالإحسان عليه ]
قال الله تعالى:
{ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فَإِذَا الَّذِي
بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا
يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
}
[فصِّلت:
34-35].
قال الزَّجَّاج :
[ وما يُلَقَّى هذه الفِعلة وهذه الحالة -وهي دفع
السَّيئة بالحسنة-
إِلاَّ
الَّذِينَ صَبَرُوا على كَظْم الغَيْظ، واحتمال المكروه ]
وقال تعالى:
{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا
عُوقِبْتُم بِهِ
وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ
}
[النَّحل: 126].
قال الطَّبري:
[ يقول -تعالى ذكره- للمؤمنين: وإن عاقبتم أيُّها
المؤمنون مَنْ ظَلَمَكم
واعتدى عليكم، فعاقبوه بمثل الذي نالكم به ظالمكم
مِنْ العقوبة،
ولئن
صبرتم عن عقوبته، واحتسبتم عند الله ما نالكم به مِن
الظُّلم،
ووَكَلْتم أمره إليه،
حتى يكون هو المتولِّي عقوبته،
{ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ
}
يقول: للصَّبر عن عقوبته بذلك، خيرٌ لأهل الصَّبر
احتسابًا، وابتغاء ثواب الله؛
لأنَّ
الله يعوِّضه مِن الذي أراد أن يناله بانتقامه من ظالمه على
ظُلْمه إيَّاه
من لذَّة الانتصار، وهو من
قوله
{ لَهُوَ }
كِنَايَة عن الصَّبر، وحُسْن
ذلك
، وإن لم يكن ذَكَرَ قبل ذلك الصَّبرَ؛ لدلالة
قوله:
{ وَلَئِن صَبَرْتُمْ }
عليه ]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق